كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

خدِيجٌ، ومخدُوجٌ، ومنهُ سُمِّيت خَدِيجةُ، وخَدِيجٌ، والمصدرُ: الخِداجُ. قالوا: ويُقالُ: صَلاةٌ مُخدَجةٌ، أي: صلاةٌ ناقِصةُ الرُّكُوع والسُّجُودِ.
هذا كلُّهُ قولُ الخليلِ، والأصمعِيِّ، وأبي حاتِم، وغيرِهِم.
وقال الأخفشُ: خَدَجتِ النّاقةُ: إذا ألقَتْ ولدَها لغيرِ تمام، وأخْدَجت: إذا قَذَفت به قبلَ الوِلادةِ، وإن كان تامَّ الخَلْق.
وقد زعمَ من لم يُوجِب قِراءةَ فاتحةِ الكِتابِ في الصَّلاةِ، وقال: هي وغيرُها سواءٌ، أنَّ قولهُ: "خِداجٌ" يدُلُّ على جَوازِ الصَّلاةِ، لأنَّهُ النُّقصانُ، والصَّلاةُ النّاقِصةُ جائزةٌ.
وهذا تحكُّمٌ فاسِدٌ، والنَّظرُ يُوجِبُ في النُّقصانِ (¬١) ألّا تجُوز مَعهُ الصَّلاةُ، لأنَّها صلاةٌ لم تتِمَّ، ومن خرجَ من صلاتِهِ وهي لم تتِمَّ بَعدُ، فعليه إعادتُها تامَّةً، كما أُمِرَ، على حَسَبِ حُكمِها، ومنِ ادَّعى أنَّها تجُوزُ مع إقرارِهِ بنَقْصِها، فعليه الدَّليلُ، ولا سبِيلَ لهُ إلَيهِ من وجهٍ يُلزِمُ، واللَّه أعلمُ.
وقد ثبت عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- أنَّهُ قال: "لا صلاةَ لمن لم يقرأ بفاتحةِ الكِتابِ". وأنَّهُ قال: "من صلَّى صلاةً لم يقرأ فيها بأُمِّ القُرآنِ، فهي خِداجٌ غيرُ تمام". فأيُّ بيانٍ أوضحُ من هذا! وأين المذهبُ عنهُ، ولم يأتِ عن النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- شيءٌ يُخالِفُهُ!
وأمّا اختِلافُ العُلماءِ في هذا البابِ:
فإنَّ مالكًا (¬٢) والشّافِعيَّ (¬٣) وأحمد وإسحاق وأبا ثورٍ وداود بن عليٍّ وجُمهُور أهلِ العِلم قالوا: لا صلاةَ إلّا بفاتحةِ الكِتابِ (¬٤).
---------------
(¬١) زاد هنا في ت، م: "الذي صرحت به السنة".
(¬٢) انظر: المدونة ١/ ١٦٤.
(¬٣) انظر: الأم ١/ ١٢٩.
(¬٤) انظر: مسائل الإمام أحمد وإسحاق بن راهويه ٢/ ٥٢٧ (١٩٤)، والأوسط لابن المنذر ٣/ ٢٤٩، والإشراف له ٢/ ١٤.

الصفحة 17