كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وذكر البخاريُّ (¬١)، عن ابن بُكَير، عن الليث، عن خالد، عن سعيد بن أبي هلال، عن ربيعةَ بن أبي عبد الرحمن، قال: سمعتُ أنسًا يصفُ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فقال: كان رَبْعةً من القوم، ليس بالطويل، وذكَر الحديث إلى قوله: وليس في رأسِه ولحيتِه عشرون شعَرةً بيضاء. قال ربيعة: فرأيتُ شعَرًا من شعَرِه، فإذا هو أحمرُ، فسألتُ، فقيل: احمرَّ من الطِّيب.
وقد ذكَرنا في باب حُمَيد الطويل (¬٢) إجازة أكثر السلف للباسِ الثياب المزَعْفَرة على ما قال مالك رحمه اللَّه، فذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- كان يَخضِبُ بالحِنّاء، ويُصَفِّرُ شيبَه، على أنهم مُجمِعون أنه إنما شاب منه عَنْفَقتُه (¬٣) وشيءٌ في صُدْغَيْه لا غير -صلى اللَّه عليه وسلم-.
وقال آخرون: معنى حديث مالك، عن سعيدٍ المقبُريِّ، عن عُبيد بنِ جُريج، عن ابن عمر: رأيتُ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يصبُغُ بالصُّفْرة. أراد أنه كان يُصَفِّرُ ثيابَه، ويلبسُ ثيابًا صُفْرًا، وأما الخضابُ فلم يكن رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- يَخضِبُ. واحتجُّوا من الأثرِ بحديثِ ربيعة، عن أنس، وما كان مثلَه. وقد ذكَرْنا حديثَ ربيعةَ في بابه من هذا الكتاب (¬٤).
وبما حدَّثنا عبدُ الوارث (¬٥)، قال: حدَّثنا قاسمٌ قال: حدَّثنا أحمدُ بنُ زُهَير، قال: حدَّثنا خلفُ بنُ الوليد، قال: حدَّثنا إسرائيل، عن سماك، عن جابرِ بنِ سَمُرة،
---------------
(¬١) في صحيحه برقم (٣٥٧٤). ابن بُكَير: هو يحيى بن عبد اللَّه، أبو زكريّا المخزوميّ المصري. والليث: هو ابن سعد، وخالد: هو ابن يزيد الجُمَحيّ الإسكندراني.
(¬٢) سلف ذلك في أثناء شرح الحديث الثاني له.
(¬٣) العنْفَقة: ما نبَتَ على الشِّفَة السُّفلى من الشَّعر. اللسان (عنفق).
(¬٤) سلف ذلك في الحديث الأول له، وهو في الموطأ ٢/ ٥٠٥ (٢٦٦٥) من روايته عن أنس رضي اللَّه عنه في وصف النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-.
(¬٥) هو عبد الوارث بن سفيان بن جبرون، وشيخه قاسم: هو ابن أصبغ البيانيّ.

الصفحة 228