كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

إليه أن مكانَك. فتأخَّر وتقدَّم النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فصلَّى بهم، فلما قضَى صلاتَه قال: "يا أبا بكر، ما لكَ إذْ أومأتُ إليك لم تقُمْ؟ ". قال: ما كان لابن أبي قُحافةَ أن يؤُمَّ رسولَ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-. قال: "يا قومِ، ما بالُكم إذا نابَكم أمرٌ صفَّقْتُم؟ سبِّحوا؛ فإنما التَّصفيقُ للنِّساء" (¬١).
في هذا الحديث من الفقه أنَّ الصلاةَ إذا خُشِيَ فواتُ وقتِها لم يُنتظَرِ الإمامُ مَن كان، فاضلًا كان أو مفضولًا.
وفيه: أنَّ الإقامةَ إلى المؤذِّن، هو أوْلى بها، وهذا موضعٌ اختلَف العلماءُ فيه:
فذهَب قومٌ إلى أنّ من أذَّن فهو يُقيم، وروَوْا فيه حديثًا عن النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بإسنادٍ فيه لينٌ (¬٢)، يدورُ على الإفريقيِّ عبدِ الرحمن بنِ زياد.
وقال مالكٌ وجماعةٌ غيرُه من العلماء: لا بأسَ بأذانِ مؤذِّنٍ وإقامةِ غيرِه (¬٣).
واستحبَّ الشافعيُّ أن يُقيمَ المؤذِّنُ، فإن أقام غيرُه، فلا بأسَ بذلك عندَه (¬٤).
وفي حديثِ عبدِ اللَّه بن زيدٍ (¬٥) ما يدلُّ على أنه لا بأسَ بإقامةِ غيرِ المؤذن، وهو أحسنُ إسنادًا من حديث الإفريقيِّ.
---------------
(¬١) أخرجه أحمد في المسند ٣٧/ ٤٧٤ (٢٢٨١٧)، والطبراني (٥٧٣٩)، وأبو نعيم في الحلية ٣/ ٢٥٠ من طريق يونس بن محمد البغدادي المؤدِّب، به.
وهو عند البخاري (٧١٩٠)، وأبي داود (٩٤١)، والنسائي (٧٩٣) من طرق عن حمّاد بن زيد، به.
(¬٢) سيأتي تخريجه في أثناء شرح الحديث الخامس والخمسين ليحيى بن سعيد.
(¬٣) ينظر: المجموع شرح المهذب للنووي ٣/ ١٢١.
(¬٤) ينظر: مختصر اختلاف العلماء ١/ ١٨٩، والمغني لابن قدامة ١/ ٣٠٢، والمجموع شرح المهذب ٣/ ١٢١.
(¬٥) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ١١٣ (١٧٢) عن يحيى بن سعيد الأنصاري، عنه رضي اللَّه عنه، وهو الحديث الخامس والخمسون ليحيى بن سعيد، وسيأتي تخريجه والكلام عليه في موضعه إن شاء اللَّه تعالى.

الصفحة 257