كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وفيه: أنَّ التَّصفيقَ لا تَفسُدُ به صلاةُ الرجال إن فعلُوه؛ لأنهم لم يُؤمَروا بإعادة، ولكن قيل لهم: شأنُ الرجال في مثل هذه الحال التَّسبيح. وفيه أنَّ أبا بكر كان لا يلتفِتُ في صلاته، ثم التفتَ إذ أكثرَ الناسُ التَّصفيق.
وفيه: أنَّ الالتفاتَ لا يُفسِدُ الصلاة؛ لأنه لو أفسَدها لأمَره رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- باعادتِها، ولقال له: قد أفسَدْتَ صلاتَك بالتفاتِك؛ لأنه -صلى اللَّه عليه وسلم- إنما بُعث آمرًا بالمعروف، وناهيًا عن المنكر، ومعلِّمًا شرائعَ الدين، وقد بلَّغ كلَّ ما أُمِر به -صلى اللَّه عليه وسلم-، وما أقرَّ عليه مما رآه فهو في حكم ما أباحه قولًا وعملًا، وقد جاءت في النهي عن الالتفاتِ في الصلاةِ أحاديثُ مَحملُها عند العُلماءِ (¬١) على ما وصَفتُ لك.
وأجمع العلماءُ على أنَّ الالتفاتَ في الصلاة مكروهٌ؛ وقال رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الالتفاتُ في الصلاة خُلسة يختَلِسُها الشيطانُ من صلاةِ العبد" (¬٢). وجمهورُ الفقهاء على أنَّ الالتفاتَ لا يُفسِدُ الصلاةَ إذا كان يسيرًا. وقال أبو ثور: إذا التفَت ببدنِه كلِّه أفسَد صلاته (¬٣). وقال الحكم: من تأمَّل مَن عن يمينِه أو يسارِه في الصلاة حتى يعرِفَه فليس له صلاة (¬٤).
وأخبرنا عبدُ اللَّه بنُ محمد بن يوسف، قال: حدَّثنا عبدُ اللَّه بنُ محمد بن عليٍّ، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ قاسم بن محمد، قال: حدَّثنا محمدُ بنُ عبد اللَّه بنِ سليمانَ مُطيَّن، قال: حدَّثنا موسى بن زياد، قال: حدَّثنا الوليدُ بنُ مسلم، عن
---------------
(¬١) في الأصل، م: "أهل العلم"، والمثبت من د ٢، د ٣.
(¬٢) أخرجه أحمد في المسند ٤١/ ٢٦٦ (٢٤٧٤٦)، والبخاري (٧٥١) من حديث مسروق بن الأجدع عن عائشة رضي اللَّه عنها.
(¬٣) نقله عنه ابن المنذر في الأوسط ٣/ ٢٤٧.
(¬٤) أخرجه ابن أبي شيبة ٢/ ٤٢ (٤٥٧٩) من حديث خطّاب العُصْفُري، عن الحكم، وهو ابن عتيبة. ويُنظر: الأوسط لابن المنذر ٣/ ٢٤٧.

الصفحة 259