كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وهذا الحديثُ يدخلُ في التفسير المسنَد في قوله عزَّ وجلّ: {وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ} الآية [الأحزاب: ٥٠]. والموهوبةُ خُصَّ بها رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وحدَه دونَ سائر أمتِه -صلى اللَّه عليه وسلم-؛ قال اللَّهُ عزَّ وجلَّ: {خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ} [الأحزاب: ٥٠]؛ يعني: من الصَّداق، فلا بدَّ لكلِّ مُسلم من صَداق -قلَّ أو كثُر- على حسب ما للعلماء في ذلك من التحديد في قليلِه دونَ كثيره، على ما نُوردُه في هذا الباب إن شاء اللَّه. وخُصَّ النبيُّ -صلى اللَّه عليه وسلم- بأنَّ الموهوبةَ له جائزةٌ دون صَداق.
وفي القياس: أنّ كلَّ ما يجوزُ البَدَلُ منه والعوضُ جازت هبتُه، إلا أنَّ اللَّه عزَّ وجلَّ حرَّم الأبضاعَ من النساء إلا بالمهور -وهي الصَّدُقاتُ المعلومات- قال اللَّه عزَّ وجلَّ: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: ٤].
قال أبو عُبيدة: يعني عن طيب نَفْسٍ بالفريضة التي فَرَضها اللَّه من ذلك (¬١)، دون جَبْر حكومة.
قال (¬٢): وما أُخِذ بالحكّام فلا يقال له: نِحْلةٌ.
وقد قيل: إن المخاطَبَ بهذه الآية الآباء (¬٣)؛ لأنهم كانوا يستأثِرون بمهورِ
---------------
(¬١) إلى هنا ينتهي كلام أبي عبيدة في مجاز القرآن ١/ ١١٧.
(¬٢) والقائل هو ابن قتيبة في غريب القرآن له، ص ١١٩، وليس هو من كلام أبي عبيدة كما يُفهم من ظاهر كلام المصنِّف. وفي المطبوع منه "وما أُخِذ بالحُكم" بدل "وما أُخِذ بالحكّام".
(¬٣) وإلى هذا ذهب ابن قتيبة في غريب القرآن، ص ١١٩ - ١٢٠، والظاهر أن الخطاب للأزواج، وأوضح ذلك ابن جرير الطبري في تفسيره ٧/ ٥٥٤ فقال: "ولا دلالة في الآية على أنّ الخطاب قد صُرف عنهم إلى غيرهم، فإذا كان ذلك كذلك، فمعلوم أنّ الذين قيل لهم {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} هم الذين قيل لهم {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} وأنّ معناه: وأتوا مَنْ نكحتم من النساء صدقاتهنّ نحلة، لأنه قال في أول الآية: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ} ولم يقل: "فأنْكِحوا". =

الصفحة 270