كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وأمّا قولُهُ في الحدِيثِ: "قال اللَّه عزَّ وجلَّ: قسَمتُ الصَّلاةَ بيني وبين عبدِي نِصفينِ، فنِصفُها لي، ونِصفُها لعبدِي، ولعَبدِي ما سأل، اقرؤُوا: يقولُ العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} ". فبدأ بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} فجعلها آيةً، ثُمَّ {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} آيةٌ، ثُمَّ {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} آيةٌ، فهذه ثلاثُ آياتٍ لم يختلِف فيها المُسلِمُونَ، جعلها اللَّه لهُ تباركَ وتعالى. ثُمَّ الآيةُ الرّابعةُ جعلَها بينهُ وبين عَبدِهِ، ثُمَّ ثلاثُ آياتٍ لعَبدِهِ تتِمَّةَ سبع آياتٍ، فهذا يدُلُّ على أنَّ {أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ} آيةٌ، ثُمَّ الآيةُ السّابعةُ إلى آخِرِها، على ما تقدَّم في الحدِيثِ في هذا البابِ، لأنَّهُ قال في قولِهِ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} إلى آخِرِ السُّورةِ: "هؤُلاءِ لعبدِي، ولعبدِي ما سأل". و"هؤُلاءِ" إشارةٌ إلى جَماعةِ ما يَعقِلُ، وما لا يَعقِلُ، وأقلُّ الجماعةِ ثلاثة، فعلِمنا بقولِهِ: "هؤُلاءِ" أَنَّهُ أرادَ هؤُلاءِ الآياتِ، والآياتُ أقلُّها ثلاثٌ، لأنَّهُ لو أرادَ آيةً واحِدةً، لقال: هذه. كما قال في قولِهِ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ}: "هذه الآيةُ بيني وبين عبدِي". ولو أرادَ آيتينِ، لقال: هاتانِ لعبدِي. فلمّا قال: "هؤُلاءِ لعبدِي" علِمنا أنَّهُ عَنَى ثلاث آياتٍ، وإذا كان من قولِهِ: {اهْدِنَا} إلى آخِرِ السُّورةِ ثلاثُ آياتٍ، كانتِ السَّبعُ آياتٍ من قولِهِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} إلى قولِهِ: {وَلَا الضَّالِّينَ}. وصحَّ قِسمةُ السَّبع الآياتِ على السَّواءِ: ثلاثٌ، وثلاثٌ، وآيةٌ بينهُما، ألا ترَى أَنَّهُ قال: "اقرؤُوا، يقولُ العبدُ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} يقولُ اللَّه: حَمِدني عبدِي". فهذه آية. "يقولُ العبدُ: {الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} يقولُ اللَّه: أثنى عليَّ عبدِي". فهذه آيتانِ. يقولُ العبدُ: {مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ} يقولُ اللَّه: مجَّدني عبدِي". فهذه ثلاثُ آياتٍ، كلُّها للَّه عزَّ وجلَّ. ثم: "يقولُ العبدُ: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ} فهذه الآيةُ بيني وبين عبدِي، ولعبدِي ما سألَ". فهذه أربعُ آياتٍ. ثُمَّ قال: "يقولُ العبدُ: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ (٦) صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ}

الصفحة 28