كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

إسماعيلُ بن إبراهيمَ، عن الجُريرِيِّ، عن قَيْسِ بن عَبايةَ، قال: حدَّثني ابن عبدِ اللَّه بن مُغفَّل، قال: سَمِعني أبي وأنا أقرأُ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} فقال: أي بُنيَّ، إيّاكَ والحَدَث، فإنِّي صلَّيتُ مع رسُولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأبي بكرٍ وعُمرَ وعُثمانَ، فلم أسمع رجُلًا منهُم يقولُهُ، فإذا قرأتَ فقُلِ: {الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ}.
قال أبو عُمر: قيسُ بن عَبايةَ هذا، هُو أبو نَعامةَ الحنفِيُّ، وهو ثِقةٌ، لكِنَّ ابن عبدِ اللَّه بن مُغفَّلٍ غيرُ معرُوفٍ بحملِ العِلم، مجهُولٌ، لم يروِ عنهُ أحدٌ غيرُ أبي نَعامةَ هذا (¬١).
فهذه الآثارُ كلُّها احتجَّ بها من كرِهَ (¬٢) قِراءةَ: {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} في أوَّلِ فاتحةِ الكِتابِ، ولم يَعُدَّها آيةً منها، وأكثرُها لا حُجَّةَ فيه؛ لأنَّ المعنى: أنَّهُم كانوا يَفْتتِحُونَ القِراءةَ في الصَّلواتِ كلِّها، وفي كلِّ ركعةٍ منها بـ {الْحَمْدُ لِلَّهِ
---------------
(¬١) وقد سُمّي ابن عبد اللَّه بن مغفل في بعض الروايات، كما في مسند أحمد ٢٧/ ٣٢٤ (١٦٧٨٧)، وبما رواه أبو حنيفة عن أبي سفيان عنه، سموه: "يزيد بن عبد اللَّه بن مغفل"، وكذلك أخرجه الطبراني من طريق أبي سفيان، وأبو سفيان هذا اسمه طريف بن شهاب وهو ضعيف، فاستدل العلّامة أحمد شاكر بهذا التصريح على صحة سند الحديث (في تعليقه على طبعته من جامع الترمذي)، لكنه لم يخبرنا عن حال يزيد بن عبد اللَّه بن مغفل هذا، فإن الإمام البخاري لم يترجم له في تاريخه، ولا ابن أبي حاتم في "الجرح والتعديل"، ولا ابن حبان، ولا أحد ممن يُعتد بهم من مؤلفي كتب الرجال، فهو مجهول الحال في أقل أحواله، كما قال المؤلف، وبمثله لا تقوم به حجة، ومن ثم يُعدَّل تعليقي على ترجمته من تهذيب الكمال بما يوافق هذا المفهوم ٣٤/ ٤٥٩.
وقد قال الترمذي: "حديث عبد اللَّه بن مغفل حديث حسن"، وانتقده بعض المتأخرين لأجل هذا التحسين، فقال النووي في الخلاصة: "وقد ضعّف الحفاظ هذا الحديث وأنكروا على الترمذي تحسينه كابن خزيمة وابن عبد البر والخطيب، وقالوا: إن مداره على ابن عبد اللَّه بن مغفل وهو مجهول".
قال بشار: تحسين الترمذي للحديث لا يعني مفهوم الحسن عند المتأخرين، أو ما هو معروف في كتب المصطلح، فالحسن عند الترمذي هو الحديث المعلول، وهو الضعيف المعتبر، كما بينته غير مرة في تعليقاتي ومحاضراتي. وينظر بلا بد تعليقنا على جامع الترمذي ١/ ٢٨٤.
(¬٢) العبارة في د ٢: "فهذه الآثار التي احتجّ بها من كره".

الصفحة 36