كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

رَبِّ الْعَالَمِينَ} هذه السُّورةُ قبلَ سائرِ السُّورِ، كما لو قال: كان يفتتِحُ بـ {ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ}. أو بـ {ن وَالْقَلَمِ}. أو بـ {حم (١) تَنْزِيلُ} هو [غافر: ١ - ٢]. ونحوِ ذلك.
وللعُلماءِ في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} أقاوِيلُ.
فجُملةُ مذهبِ مالكٍ وأصحابِهِ: أنَّها ليست عِندهُم آيةً من فاتحةِ الكِتابِ، ولا من غيرِها، وليست من القُرآنِ إلّا في سُورةِ النَّملِ، ولا يَقْرأُ بها المُصلِّي في المكتُوبةِ في فاتحةِ الكِتابِ، ولا في غيرِها، سِرًّا ولا جهرًا. قال مالكٌ: ولا بأس أن يقرأ بها في النّافِلةِ من يعرِضُ القُرآن عرضًا (¬١).
وقولُ الطَّبرِيِّ في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} مِثلُ قولِ مالكٍ في ذلك كلِّهِ (¬٢).
وللشّافِعِيِّ في {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ} قولانِ، أحدُهُما: أنَّها آيةٌ من فاتحةِ الكِتابِ، دُونَ غيرِها من السُّورِ التي أُثبِتت في أوائلِها. والقولُ الآخرُ: هي آية في أوَّلِ كلِّ سُورةٍ (¬٣). وكذلك اختَلَف أصحابُهُ على القَوْلينِ جميعًا.
وقال أحمدُ بن حنبل وإسحاقُ بن راهُوية وأبو ثَوْرٍ وأبو عُبيدٍ: هي آيةٌ من فاتحةِ الكِتابِ (¬٤).
وأمّا أصحابُ أبي حَنِيفةَ، فزَعَمُوا أنَّهُم لا يحفظُونَ عنهُ، هل هي آيةٌ من فاتحةِ الكِتابِ أم لا، ومَذهبُهُ يَقْتضِي أنَّها ليسَتْ آيةً من فاتحةِ الكِتابِ؛ لأنَّهُ يُسِرُّ بها في الجَهْرِ والسِّرِّ.
---------------
(¬١) انظر: الأوسط لابن المنذر ٣/ ٢٨٠.
(¬٢) ينظر كلامه المفصل عن ذلك في تفسير جامع البيان ١/ ٦٣ باختصارنا.
(¬٣) انظر: الحاوي الكبير للماوردي ٢/ ١٠٦، ونهاية المطلب لإمام الحرمين ٢/ ١٣٧، والبيان في مذهب الإمام الشافعي للعمراني ٢/ ١٨٢، والمجموع للنووي ٣/ ٣٣٣.
(¬٤) انظر: مسائل أحمد وإسحاق ٢/ ٨٥٦ (٥٠٤)، و ٩/ ٤٨٥٤ (٣٥٥١)، والأوسط لابن المنذر ٣/ ٢٨٠، وأحكام القرآن للجصاص ١/ ٨، وشرح مختصر الطحاوي له ١/ ٥٨٩، وانظر فيها ما بعده.

الصفحة 37