كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وقال الشّافِعيُّ (¬١) وأصحابُهُ: يُجهَرُ بها في صَلاةِ الجهرِ، لأنَّها آيةٌ من فاتحةِ الكِتابِ، حُكمُها كسائرِ السُّورةِ، وبه قال داود، على اختِلافٍ عنهُ في ذلك (¬٢).
وهُو قولُ ابن عُمرَ، وابنِ عبّاسٍ، وطاوُوسٍ، ومُجاهِدٍ، وسعِيدِ بن جُبيرٍ، وعطاءٍ، وعَمرِو بن دِينارٍ. ورُوِي ذلك، عن عُمر أيضًا، وابنِ الزُّبيرِ (¬٣).
قال أبو عُمر: أمّا من قرأ بها سِرًّا في صلاةِ السِّرِّ، وجهرًا في صلاةِ الجهرِ، فحُجَّتُهُ أنَّها آيةٌ من السُّورةِ، لا يختلِفُ حُكمُها، والمُناظرةُ بينهُ وبين من خالفه في هذا الأصلِ.
وأمّا من أسرَّ بها، وجَهرَ كسائرِ السُّورةِ، فإنَّما مالَ إلى الأثرِ، وقَرَأ بها كذلك من جِهَةِ الحُكم بخبرِ الواحِدِ المُوجِبِ للعملِ دُون العِلم.
واحتجُّوا من الأثرِ في ذلك، بما حدَّثناهُ محمدُ بن إبراهيمَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن مُعاويةَ، قال: حدَّثنا أحمدُ بن شُعيب، قال (¬٤): أخبرنا محمدُ بن عليِّ بن الحسنِ (¬٥) بن شَقِيقٍ، قال: سمِعتُ أبي يقولُ: أخبَرنا أبو حمزةَ، عن مَنصُورِ بن زاذانَ، عن أنسِ بن مالكٍ، قال: صلَّى بنا رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، فلم يُسْمِعنا قِراءةَ {بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ}، وصلَّى بنا أبو بكرٍ وعُمرُ، فلم نسمعها منهُما.
وأخبَرنا عبدُ الوارِثِ بن سُفيانَ، قال: حدَّثنا قاسمُ بن أصبغَ، قال: حدَّثنا محمدُ بن غالب، قال: حدَّثنا أبو الجوّابِ، قال: أخبرنا عمّارُ بن رُزيقٍ، عن الأعمشِ،
---------------
(¬١) انظر: الأم ٧/ ١٤٢.
(¬٢) في د ٢: "على اختلاف عنه في ذلك، وبه قال داود"، والمثبت من الأصل، وهو الأصح إن شاء اللَّه.
(¬٣) انظر: مصنَّف عبد الرزاق (٢٦٠٨، ٢٦١٤، ٢٦١٩، ٢٦٢٠)، ومصنَّف ابن أبي شيبة (٤١٧٤) فما بعدها، والأوسط لابن المنذر (١٣٥٠، ١٣٥٢، ١٣٥٣).
(¬٤) في الكبرى ١/ ٤٦٩ (٩٨٠)، وهو في المجتبى ٢/ ١٣٤. وانظر: المسند الجامع ١/ ٢٩٣ - ٢٩٤ (٤٠٣).
(¬٥) في د ٢: "الحسين"، خطأ، وهو شيخ النسائي المشهور.

الصفحة 39