كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)
الاستسقاءَ هو الاستغفار. قال: فقلَّدَتْنا السماءُ (¬١) قِلْدًا كلَّ خمسَ عَشَرة، حتى رأيتُ الأرنبةَ تأكلُها صِغارُ الإبل من وراءِ حِقاق العُرْفُط، قال: قلت: ما حِقاقُ العُرْفُط؟ قال: أبناءُ سنتَين وثلاث. قال: نصرٌ. قال الأصمعيُّ: الأرنبةُ شجرةٌ صغيرةٌ؛ يقول: فطالَت من الأمطار حتى صارَت الإبلُ كلُّها تَتناولهُا من فوق شجرِ العُرْفُط (¬٢).
ويُروَى هذا الخبرُ عن مُسلم المُلائيِّ، عن أنس بغيرِ هذا، قال: جاء أعرابيٌّ إلى النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- فقال: يا رسولَ اللَّه، أتَيْناكَ وما لنا صبيٌّ يَصْطَبح (¬٣)، ولا بعيرٌ يَئِطُّ، وأنشد:
أتَيْناكَ والعَذْراءُ يَدْمَى لَبانُها ... وقد شُغِلت أمُّ الصبيِّ عن الطِّفْلِ
وألقى بكَفَّيْه وخَرَّ اسْتِكانةً ... من الجُوع موتًا ما يُمِرُّ وما يُحْلي (¬٤)
ولا شيءَ مما يأكُلُ الناسُ عندَنا ... سِوى الحَنظَل العاميِّ والعِلْهِزِ الفَسْلِ (¬٥)
وليسَ لنا إلا إليك فرارُنا ... وأين فِرارُ النّاسِ إلا إلى الرُّسْلِ
---------------
(¬١) قوله: "قلَّدتنا السماء" أي: مطَرَتنا لوقتٍ معلوم، مأخوذٌ من قِلْد الحُمّى، وهو يوم نوبتها. والقَلْد: السَّقي، يقال: قلّدت الزرع: إذا سقيته. (النهاية في غريب الحديث ٤/ ٩٩).
(¬٢) أخرجه ابن سعد في الطبقات الكبرى ٣/ ٣٢٠ من طريق عبد اللَّه بن عمر بن حفص، به. مختصرًا ودون قصة الأصمعي. وإسناده ضعيف لضعف عبد اللَّه بن عمر بن حفص.
(¬٣) قوله: "وما لنا صبيٌّ يصطَبِحُ" أي: ليس عندنا لَبَن بقدر ما يشربُه الصبيُّ بُكْرةً؛ من الحدْب والقحط، فضلًا عن الكبير. (النهاية في غريب الحديث ٣/ ٦).
(¬٤) قوله: "ما يُمِرُّ وما يُحْلي" أي: ما ينطق بخيرٍ ولا شرٍّ من الجوع والضعف. (النهاية في غريب الحديث ٤/ ٣١٦).
(¬٥) العِلْهز: دم يابسٌ يُدقُّ به أوبار الإبل في المجاعات ويؤكل. والفسْل: الرديء والرَّذْل من كل شيء. (تهذيب اللغة للأزهري ٣/ ١٧١ و ١٢/ ٢٩٧).