كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

قال أبو عُمر: لا يجُوزُ للرَّجُلِ أن يجُرَّ ثوبًا يَلْبَسُه ويكونَ تحتَ كَعْبَيه، وأظنُّ الوَعيدَ الشَّديدَ ورَدَ فيمَنْ جَرَّ (¬١) ثوبهُ خُيلاءَ وبطرًا، واللَّهُ أعلمُ.
فإن قيلَ: إنَّ ابن مَسْعُودٍ كان يُسبِلُ إزارهُ، لما ذكَرهُ ابن أبي شيبةَ (¬٢)، عن وَكِيع، عن منصُورٍ، عن أبي وائل، عن ابن مسعُودٍ: أنَّهُ كان يُسبِلُ إزارهُ، فقيلَ لهُ، فقال: إنِّي رجُلٌ (¬٣) حَمْشُ السّاقينِ (¬٤).
قيل: ذلك لعلَّهُ أُذِنَ لهُ (¬٥)، كما أُذِنَ لعَرْفجةَ أن يتَّخِذَ أنفًا من ذهَبٍ يَتَجمَّلُ به (¬٦).
وذكرَ أبو بكرٍ (¬٧)، عن عيسى بن يُونُس، عن الأوزاعِيِّ، عن عَمرِو بن مُهاجِرٍ، قال: كانت قُمُصُ عُمر بن عبدِ العزيزِ وثِيابُهُ فيما بينَ الكعبِ، والشِّراكِ.
وهذا يحتَمِلُ أن يكونَ عُمرُ ذهبَ إلى أن يستغرِقَ الكعبينِ، كما إذ قيلَ في الوُضُوءِ: {إِلَى الْكَعْبَيْنِ} [المائدة: ٦] اسْتَغرقهُما، وكانَ الاحتِياطُ أن يُقصِّر عَنهُما، لأنَّ (¬٨) مَعنَى هذا مُخالِفٌ لمعنَى الوُضُوءِ، ولكِنَّ عُمرَ ليسَ منهُم، كما قال رسُولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- لأبي بكرٍ: "لسْتَ منهُم" (¬٩). أي: لستَ مِمَّن يجُرُّ ثوبهُ خُيلاءَ وبطرًا.
وقد مَضَى هذا المعنى مُكرَّرًا في مَواضِعَ من كِتابِنا هذا، والحمدُ للَّه.
---------------
(¬١) من قوله: "ثوبًا يلبسه" إلى هنا، سقط من ت، م.
(¬٢) في المصنَّف (٢٥٣١٣).
(¬٣) هذه اللفظة سقطت من د ٢، وهي ثابتة في بقية النسخ ومصنَّف ابن أبي شيبة.
(¬٤) حمش الساقين: دقيقهما. انظر: المعجم الوسيط، ص ١٩٧.
(¬٥) قوله: "أذن له" سقط من د ٢، ت.
(¬٦) أخرجه أحمد في مسنده ٣٣/ ٣٩٧ (٢٥٢٦٩)، والبخاري في تاريخه الكبير ٧/ ٦٤ - ٦٥، وأبو داود (٤٢٣٢).
(¬٧) أخرجه في المصنَّف (٢٥٣٣٦).
(¬٨) في الأصل، م: "إلا أن"، والمثبت من د ٢.
(¬٩) سلف بإسناده في شرح الحديث الأول لزيد بن أسلم، وهو في الموطأ ٢/ ٥٠١ (٢٦٥٦)، وانظر تخريجه في موضعه.

الصفحة 62