كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

ثُمَّ انْحَنى، فلا يُقالُ لهُ: أسقطتَ سُنّةَ الوُقُوفِ والقِراءةِ، وكرجُلٍ أدركَ مع إمامِهِ ركعةً، فجلسَ معهُ في مَوْضِع قِيامِهِ، لوِ انفردَ، فلا يُقالُ لهُ: أسأتَ، أو أسقطت شيئًا، وحسبُهُ إذا أتمَّ صَلاتهُ، أن يأتي بها على سُنَّةِ آخِرِها، فلا يضُرُّه ما سبقهُ إمامُهُ في أوَّلِها، لأنَّهُ مأمُور باتِّباع إمامِهِ، وإنَّما جُعِل الإمامُ ليُؤتمَّ به.
وقال أبو بكرٍ الأثرمُ: قُلتُ لأبي عبدِ اللَّه، يعني أحمد بن حنبل، أرأيتَ قول من قال: يجعلُ ما أدركَ مع الإمام أوَّل صلاتِهِ، ومن قال: يجعلُهُ آخِر صلاتِهِ، أيُّ شيءٍ الفَرْقُ بينهُما؟ قال: من أجلِ القِراءةِ فيما يَقْضِي، قُلتُ لهُ: فحدِيثُ النَّبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، على أيِّ القَوْلينِ يدُلُّ عِندكَ؟ قال: على أَنَّهُ يَقْضِي ما فاتهُ، قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "صلُّوا ما أدْرَكتُم، واقْضُوا ما سَبَقكُم". وقدِ احتجَّ داودُ، وغَيرُهُ من القائلِينَ بأنَّ من أدركَ الإمام يوم الجُمُعةِ في التَّشهُّدِ صلَّى ركعتينِ بهذا الحدِيثِ: قولُهُ -صلى اللَّه عليه وسلم-: "ما أدركتُم فصَلُّوا، وما فاتكُم فأتِمُّوا". أو: "فاقضُوا". قالوا: فالذي فاتهُ رَكْعتانِ، لا أربع، فإنَّما عليه أن يَقْضِي ما فاتهُ، ويُتِمَّ صلاتهُ.
قال أبو عُمر: ولعَمرِي إنَّ هذا لوَجْهٌ لم يكُن هُناكَ ما يُعارِضُهُ وينقُضُهُ، لكِن لمّا قال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "من أدركَ رَكْعةً من الصَّلاةِ، فقد أدركَ الصَّلاةَ" (¬١). كان في هذا القَولِ دليلٌ كالنَّصِّ، على أنَّ من لم يُدرِك ركعةً من الصَّلاةِ، فلم يُدرِكِ الصَّلاةَ، ومَعلُومٌ أنَّ من لم يُدرِكِ الجُمُعةَ، يُصلِّي أربعًا، على أنَّ داودَ قد جعلَ مِثل هذا الدَّليلِ أصلًا جارِيًا في الأحكام، وتركِ الاستِدلال به هاهُنا لما ذكَرْنا، واللَّه المُستعانُ.
(¬٢) وقد ذكَرْنا هذه المسألةَ في بابِ ابن شِهابٍ، عن أبي سلمةَ من هذا الكِتابِ، والحمدُ للَّه.
---------------
(¬١) أخرجه مالك في الموطأ ١/ ٤١ (١٥) من حديث أبي هريرة.
(¬٢) هذه الفقرة برمتها لم ترد في د ٢.

الصفحة 72