كتاب التمهيد - ابن عبد البر - ت بشار (اسم الجزء: 13)

وقال لخالدِ بن الولِيدِ في عمّارٍ: "لا تسُبَّ من هُو خيرٌ مِنكَ" (¬١).
وقال عُمرُ بن الخطّابِ، في قولِهِ عزَّ وجلَّ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} [آل عمران: ١١٠]، قال: من فعلَ مِثل فِعلِهِم، كان مِثلَهُم (¬٢).
وقال ابن عبّاسٍ، في قولِهِ: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: هُمُ الذين هاجرُوا من مكَّةَ إلى المدِينةِ، وشَهِدُوا بدرًا والحُديبِيةَ (¬٣).
وهذا كلُّهُ يَشْهدُ أنَّ خيرَ قَرْنِهِ فضلًا أصحابُهُ، وأنَّ قولهُ: "خيرُ النّاسِ قَرْني". أنَّهُ لفظٌ خرَجَ على العُمُوم، ومَعناهُ الخُصُوصُ.
وقد قيل في قولِ اللَّه: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}: أنَّهُم أُمَّةُ محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم-. يعني الصّالحِين منهُم، وأهلُ الفَضْلِ، هُم شُهداءُ على النّاسِ يومَ القِيامةِ. قالوا: وإنَّما صارَ أوَّلُ هذه الأُمَّةِ خيرَ القُرُونِ، لأنَّهُم آمنُوا حِينَ كفر النّاسُ، وصَدَّقُوهُ (¬٤) حِينَ كذَّبهُ النّاسُ، وعزَّرُوهُ، ونَصرُوهُ، وآووهُ بأموالِهِم وأنفُسِهِم، وقاتَلُوا غيرَ هُم على كُفرِهِم، حتّى أدخلُوهُم في الإسلام.
وقد قيل في توجِيهِ أحادِيثِ البابِ، مع قولِهِ: "خيرُ النّاسِ قرنِي": إنَّ قَرْنهُ إنَّما فُضِّلَ، لأنَّهُم كانوا غُرَباءَ في إيمانِهِم، لكثرةِ الكُفّارِ، وصَبرِهِم على أذاهُم،
---------------
(¬١) أخرجه النسائي في السنن الكبرى ٧/ ٣٥٧ (٨٢١٣، ٨٢١٤)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٩٨٩ - ٩٩٠ (٥٥٤٠)، والطحاوي في شرح مشكل الآثار ٨/ ٢٧١ (٣٢٣٢)، والطبراني في الكبير ٤/ ١١٢ (٣٨٣٠) بلفظ: "يا خالد لا تسب عمارًا". والروايات مطولة ومختصرة. وانظر: المسند الجامع ٥/ ٣٠٣ - ٣٠٤ (٣٥٨٥).
(¬٢) أخرجه الطبري في تفسيره ٧/ ١٠١ (٧٦٠٨)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٣٢ (٣٩٧٠) بنحوه.
(¬٣) أخرجه الطبري في تفسيره ٧/ ١٠١ (٧٦١١)، وابن أبي حاتم في تفسيره ٣/ ٧٣٢ (٣٩٦٨).
(¬٤) في الأصل: "وصَدَّقه".

الصفحة 91