كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

أعَاد الْفِعْل فِي قَوْله وَأَطيعُوا الرَّسُول إِشَارَةً إِلَى اسْتِقْلَالِ الرَّسُولِ بِالطَّاعَةِ وَلَمْ يُعِدْهُ فِي أُولِي الْأَمْرِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ يُوجَدُ فِيهِمْ مَنْ لَا تَجِبُ طَاعَتُهُ ثُمَّ بَيَّنَ ذَلِك بقوله فان تنازعتم فِي شَيْء كَأَنَّهُ قِيلَ فَإِنْ لَمْ يَعْمَلُوا بِالْحَقِّ فَلَا تُطِيعُوهُمْ وَرُدُّوا مَا تَخَالَفْتُمْ فِيهِ إِلَى حُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَذَكَرَ فِيهِ حَدِيثَيْنِ أَحَدُهُمَا حَدِيثُ أبي هُرَيْرَة

[7137] قَوْله عبد الله هُوَ بن الْمُبَارك وَيُونُس هُوَ بن يَزِيدَ قَوْلُهُ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ مُنْتَزَعَةٌ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ أَيْ لِأَنِّي لَا آمُرُ إِلَّا بِمَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ فَمَنْ فَعَلَ مَا آمُرُهُ بِهِ فَإِنَّمَا أَطَاعَ مَنْ أَمَرَنِي أَنْ آمُرَهُ وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لِأَنَّ اللَّهَ أَمَرَ بِطَاعَتِي فَمَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ أَمْرَ اللَّهِ لَهُ بِطَاعَتِي وَفِي الْمَعْصِيَةِ كَذَلِكَ وَالطَّاعَةُ هِيَ الْإِتْيَانُ بِالْمَأْمُورِ بِهِ وَالِانْتِهَاءُ عَنِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَالْعِصْيَانُ بِخِلَافِهِ قَوْلُهُ وَمَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ وَالْأَعْرَجِ وَغَيْرِهِمَا عِنْدَ مُسْلِمٍ وَمَنْ أَطَاعَ الْأَمِيرَ وَيُمْكِنُ رَدُّ اللَّفْظَيْنِ لِمَعْنًى وَاحِدٍ فَإِنَّ كُلَّ مَنْ يَأْمُرُ بِحَقٍّ وَكَانَ عَادِلًا فَهُوَ أَمِيرُ الشَّارِعِ لِأَنَّهُ تَوَلَّى بِأَمْرِهِ وَبِشَرِيعَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ تَوْحِيدُ الْجَوَابِ فِي الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ قَوْلُهُ فَقَدْ أَطَاعَنِي أَيْ عَمِلَ بِمَا شَرَعْتُهُ وَكَأَنَّ الْحِكْمَةَ فِي تَخْصِيصِ أَمِيرِهِ بِالذِّكْرِ أَنَّهُ الْمُرَادُ وَقْتَ الْخِطَابِ وَلِأَنَّهُ سَبَبُ وُرُودِ الْحَدِيثِ وَأَمَّا الْحُكْمُ فَالْعِبْرَةُ بِعُمُومِ اللَّفْظِ لَا بِخُصُوصِ السَّبَبِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ أَيْضًا وَمَنْ يُطِعِ الْأَمِيرَ فَقَدْ أَطَاعَنِي بِصِيغَةِ الْمُضَارَعَةِ وَكَذَا وَمَنْ يَعْصِ الْأَمِيرَ فَقَدْ عَصَانِي وَهُوَ أَدْخَلَ فِي إِرَادَةِ تَعْمِيمِ مَنْ خُوطِبَ وَمَنْ جَاءَ من بعد ذَلِك قَالَ بن التِّينِ قِيلَ كَانَتْ قُرَيْشٌ وَمَنْ يَلِيهَا مِنَ الْعَرَبِ لَا يَعْرِفُونَ الْإِمَارَةَ فَكَانُوا يَمْتَنِعُونَ عَلَى الْأُمَرَاءِ فَقَالَ هَذَا الْقَوْلُ يُحِثُّهُمْ عَلَى طَاعَةِ مَنْ يُؤَمِّرُهُمْ عَلَيْهِمْ وَالِانْقِيَادِ لَهُمْ إِذَا بَعَثَهُمْ فِي السَّرَايَا وَإِذَا وَلَّاهُمُ الْبِلَادَ فَلَا يَخْرُجُوا عَلَيْهِمْ لِئَلَّا تَفْتَرِقَ الْكَلِمَةُ قُلْتُ هِيَ عِبَارَةُ الشَّافِعِيِّ فِي الْأُمِّ ذَكَرَهُ فِي سَبَبِ نُزُولِهَا وَعَجِبْتُ لِبَعْضِ شُيُوخِنَا الشُّرَّاحِ مِنَ الشَّافِعِيَّةِ كَيْفَ قنع بِنِسْبَة هَذَا الْكَلَام إِلَى بن التِّين معبرا عَنهُ بِصِيغَة قيل وبن التِّينِ إِنَّمَا أَخَذَهُ مِنْ كَلَامِ الْخَطَّابِيِّ وَوَقَعَ عِنْدَ أَحْمَدَ وَأَبِي يَعْلَى وَالطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ بْنِ عُمَرَ قَالَ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَالَ أَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّ مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ وَإِنَّ مِنْ طَاعَةِ اللَّهِ طَاعَتِي قَالُوا بَلَى نَشْهَدُ قَالَ فَإِنَّ مِنْ طَاعَتِي أَنْ تُطِيعُوا أُمَرَاءَكُمْ وَفِي لَفْظٍ أَئِمَّتَكُمْ وَفِي الْحَدِيثِ وُجُوبُ طَاعَةِ وُلَاةِ الْأُمُورِ وَهِيَ مُقَيَّدَةٌ بِغَيْرِ الْأَمْرِ بِالْمَعْصِيَةِ كَمَا تَقَدَّمَ فِي أَوَائِلِ الْفِتَنِ وَالْحِكْمَةُ فِي الْأَمْرِ بِطَاعَتِهِمُ الْمُحَافَظَةُ عَلَى اتِّفَاقِ الْكَلِمَةِ لِمَا فِي الِافْتِرَاقِ مِنَ الْفَسَادِ الْحَدِيثُ الثَّانِي

[7138] قَوْله حَدثنَا إِسْمَاعِيل هُوَ بن أَبِي أُوَيْسٍ قَوْلُهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَذَا وَقَعَ هُنَا وَكَذَا فِي الْعِتْقِ مِنْ طَرِيقِ يَحْيَى الْقَطَّانِ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ نَافِعٍ عَنِ بن عُمَرَ كَذَلِكَ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ بْنِ دِينَارٍ عَنْ عُبَيْدِ الله بن عمر بِهَذَا فَقَالَ عَن بن عُمَرَ أَنَّ أَبَا لُبَابَةَ بْنَ عَبْدِ الْمُنْذِرِ أَخْبَرَهُ فَذَكَرَ حَدِيثَ النَّهْيِ عَنْ قَتْلِ الْجِنَانِ الَّتِي فِي الْبُيُوتِ وَقَالَ كُلُّكُمْ رَاعٍ الْحَدِيثَ هَكَذَا أَوْرَدَهُ فِي مُسْنَدِ أَبِي لُبَابَةَ وَلَكِنْ تَقَدَّمَ فِي الْعِتْقِ أَيْضًا مِنْ رِوَايَةِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ عَنْ أَبِيهِ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ حَدِيثَ الْبَابِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ قَوْلَهُ وَقَالَ مَعْطُوف على بن عُمَرَ لَا عَلَى أَبِي لُبَابَةَ وَثَبَتَ أَنَّهُ من مُسْند بن عُمَرَ لَا مِنْ مُرْسَلِهِ قَوْلُهُ أَلَا كُلُّكُمْ رَاع كَذَا فِيهِ والا بِتَخْفِيفِ اللَّامِ حَرْفُ افْتِتَاحٍ وَسَقَطَتْ مِنْ رِوَايَةِ نَافِع وَسَالم عَن بن عُمَرَ وَالرَّاعِي هُوَ الْحَافِظُ الْمُؤْتَمَنُ الْمُلْتَزِمُ صَلَاحَ مَا اؤْتُمِنَ عَلَى حِفْظِهِ فَهُوَ مَطْلُوبٌ بِالْعَدْلِ فِيهِ وَالْقِيَامِ بِمَصَالِحِهِ قَوْلُهُ فَالْإِمَامُ الَّذِي عَلَى النَّاسِ أَيِ الْإِمَامُ الْأَعْظَمُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ الْمَاضِيَةِ فِي الْعِتْقِ فَالْأَمِيرُ بَدَلَ الْإِمَامُ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ فِي النِّكَاحِ وَلَمْ يَقُلْ الَّذِي على النَّاس

الصفحة 112