كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

(قَوْلُهُ بَابُ أَجْرِ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ)
سَقَطَ لَفْظُ أَجْرِ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَعَلَى تَقْدِيرِ ثُبُوتِهَا فَلَيْسَ فِي الْبَابِ مَا يَدُلُّ عَلَيْهِ فَيُمْكِنُ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْ لَازِمِ الْإِذْنِ فِي تَغْبِيطِ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ فَإِنَّهُ يَقْتَضِي ثُبُوتُ الْفَضْلِ فِيهِ وَمَا ثَبَتَ فِيهِ الْفَضْلُ تَرَتَّبَ عَلَيْهِ الْأَجْرُ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فاولئك هم الْفَاسِقُونَ وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ بِالْآيَةِ لِمَا تَرْجَمَ بِهِ أَنَّ مَنْطُوقَ الْحَدِيثِ دَلَّ عَلَى أَنَّ مَنْ قَضَى بِالْحِكْمَةِ كَانَ مَحْمُودًا حَتَّى أَنَّهُ لَا حَرَجَ عَلَى مَنْ تَمَنَّى أَنْ يَكُونَ لَهُ مِثْلُ الَّذِي لَهُ مِنْ ذَلِكَ لِيَحْصُلَ لَهُ مِثْلُ مَا يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ وَحُسْنِ الذِّكْرِ وَمَفْهُومُهُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ لَمْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَهُوَ عَلَى الْعَكْسِ مِنْ فَاعِلِهِ وَقَدْ صَرَّحَتِ الْآيَةُ بِأَنَّهُ فَاسِقٌ وَاسْتِدْلَالُ الْمُصَنِّفِ بِهَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ يُرَجِّحُ قَوْلَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا عَامَّةٌ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَفِي الْمُسْلِمِينَ وَحكى بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ أَنَّ الْبُخَارِيَّ اقْتَصَرَ عَلَى هَذِهِ الْآيَةِ دُونَ مَا قَبْلَهَا عَمَلًا بِقَوْلِ مَنْ قَالَ إِنَّ الْآيَتَيْنِ قَبْلَهَا نَزَلَتَا فِي الْيَهُود وَالنَّصَارَى وَتعقبه بن التِّينِ بِأَنَّهُ لَا قَائِلَ بِذَلِكَ قَالَ وَنَسَقُ الْآيَةِ لَا يَقْتَضِي مَا قَالَ قُلْتُ وَمَا نَفَاهُ ثَابِتٌ عَنْ بَعْضِ التَّابِعِينَ فِي تَفْسِيرِ الطَّبَرِيِّ وَغَيْرِهِ وَيَظْهَرُ أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْآيَاتِ وَإِنْ كَانَ سَبَبَهَا أَهْلُ الْكِتَابِ لَكِنَّ عُمُومَهَا يَتَنَاوَلُ غَيْرَهُمْ لَكِنْ لَمَّا تَقَرَّرَ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ أَنَّ مُرْتَكِبَ الْمَعْصِيَةِ لَا يُسَمَّى كَافِرًا وَلَا يُسَمَّى أَيْضًا ظَالِمًا لِأَنَّ الظُّلْمَ قَدْ فُسِّرَ بِالشِّرْكِ بَقِيَتِ الصِّفَةُ الثَّالِثَةُ فَمِنْ ثَمَّ اقْتَصَرَ عَلَيْهَا وَقَالَ إِسْمَاعِيلُ الْقَاضِي فِي أَحْكَامِ الْقُرْآنِ بَعْدَ أَنْ حَكَى الْخِلَافَ فِي ذَلِكَ ظَاهِرُ الْآيَاتِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنْ فَعَلَ مِثْلَ مَا فَعَلُوا وَاخْتَرَعَ حُكْمًا يُخَالِفُ بِهِ حُكْمَ اللَّهِ وَجَعَلَهُ دِينًا يُعْمَلُ بِهِ فَقَدْ لَزِمَهُ مِثْلُ مَا لَزِمَهُمْ مِنَ الْوَعِيدِ الْمَذْكُورِ حَاكما كَانَ أَو غَيره وَقَالَ بن بَطَّالٍ مَفْهُومُ الْآيَةِ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ اسْتَحَقَّ جَزِيلَ الْأَجْرِ وَدَلَّ الْحَدِيثُ عَلَى جَوَازِ مُنَافَسَتِهِ فَاقْتَضَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَشْرَفِ الْأَعْمَالِ وَأَجَلِّ مَا يُتَقَرَّبُ بِهِ إِلَى اللَّهِ وَيُؤَيِّدُهُ حَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي أَوْفَى رَفَعَهُ اللَّهُ مَعَ الْقَاضِي مَا لَمْ يجر الحَدِيث أخرجه بن الْمُنْذر قلت وَأخرجه أَيْضا بن ماجة وَالتِّرْمِذِيّ وَاسْتَغْرَبَهُ وَصَححهُ بن حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ

[7141] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا شِهَابُ بْنُ عَبَّادٍ هُوَ بن عُمَرَ الْعَبْدِيُّ وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ حُمَيْدٍ هُوَ الرُّؤَاسِيُّ بِضَمِّ الرَّاءِ وَتَخْفِيفِ الْهَمْزَةِ ثُمَّ مُهْمَلَةٍ وَإِسْمَاعِيلُ هُوَ بن أبي خَالِد وَقيس هُوَ بن أبي حَازِم وَعبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ قَوْلُهُ لَا حَسَدَ إِلَّا فِي اثْنَتَيْنِ رَجُلٍ بِالْجَرِّ وَيَجُوزُ الرَّفْعُ عَلَى الِاسْتِئْنَافِ وَالنَّصْبِ بِإِضْمَارِ أَعْنِي قَوْلُهُ عَلَى هَلَكَتِهِ بِفَتَحَاتٍ أَيْ عَلَى إِهْلَاكِهِ أَيْ إِنْفَاقِهِ فِي الْحَقِّ قَوْلُهُ وَآخَرُ آتَاهُ اللَّهُ حِكْمَةً فِي رِوَايَة بن عُيَيْنَةَ عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ الْمَاضِيَةِ فِي كِتَابِ الْعِلْمِ وَرَجُلٌ آتَاهُ اللَّهُ الْحِكْمَةَ وَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ مُسْتَوْفًى هُنَاكَ وَأَنَّ الْمُرَادَ بالحكمة الْقُرْآن كَمَا فِي حَدِيث بن عُمَرَ أَوْ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ وَضَابِطُهَا مَا منع الْجَهْل وزجر عَن الْقبْح قَالَ بن الْمُنِيرِ الْمُرَادُ بِالْحَسَدِ هُنَا الْغِبْطَةُ وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِالنَّفْيِ

الصفحة 120