كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

الْحَنَفِيَّة واستثنوا الْحُدُود وَأطلق بن جَرِيرٍ وَحُجَّةُ الْجُمْهُورِ الْحَدِيثُ الصَّحِيحُ مَا أَفْلَحَ قَوْمٌ وَلَّوْا أُمُورَهُمُ امْرَأَةً وَقَدْ تَقَدَّمَ وَلِأَنَّ الْقَاضِي يَحْتَاجُ إِلَى كَمَالِ الرَّأْيِ وَرَأْيُ الْمَرْأَةِ نَاقِصٌ وَلَا سِيَّمَا فِي مَحَافِلِ الرِّجَالِ قَوْلُهُ وَقَالَ الْحَسَنُ هُوَ الْبَصْرِيُّ قَوْلُهُ أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ أَنْ لَا يَتَّبِعُوا الْهَوَى وَلَا يَخْشَوُا النَّاسَ وَلَا يَشْتَرُوا بِآيَاتِ اللَّهِ ثَمَنًا قَلِيلًا ثُمَّ قَرَأَ يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَة فِي الأَرْض إِلَى يَوْم الْحساب وَقَرَأَ إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ إِلَى قَوْلِهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هم الْكَافِرُونَ قُلْتُ فَأَرَادَ مِنْ آيَةِ يَا دَاوُدُ قَوْلَهُ وَلَا تتبع الْهوى فيضلك عَن سَبِيل الله وَأَرَادَ مِنْ آيَةِ الْمَائِدَةِ بَقِيَّةَ مَا ذُكِرَ وَأَطْلَقَ عَلَى هَذِهِ الْمَنَاهِي أَمْرًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّ النَّهْيَ عَنِ الشَّيْءِ أَمْرٌ بِضِدِّهِ فَفِي النَّهْيِ عَنِ الْهَوَى أَمْرٌ بِالْحُكْمِ بِالْحَقِّ وَفِي النَّهْيِ عَنْ خَشْيَةِ النَّاسِ أَمْرٌ بِخَشْيَةِ اللَّهِ وَمِنْ لَازِمِ خَشْيَةِ اللَّهِ الْحُكْمُ بِالْحَقِّ وَفِي النَّهْيِ عَنْ بَيْعِ آيَاتِهِ الْأَمْرُ بِاتِّبَاعِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا وُصِفَ الثَّمَنُ بِالْقِلَّةِ إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ وَصْفٌ لَازِمٌ لَهُ بِالنِّسْبَةِ لِلْعِوَضِ فَإِنَّهُ أَغْلَى مِنْ جَمِيعِ مَا حَوَتْهُ الدُّنْيَا قَوْلُهُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا اسْتُوْدِعُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ الْآيَةَ ثَبَتَ هَذَا لِلْمُسْتَمْلِي وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى بِمَا اسْتُحْفِظُوا من كتاب الله أَيْ بِمَا اسْتُودِعُوا اسْتَحْفَظْتُهُ كَذَا اسْتَوْدَعْتُهُ إِيَّاهُ قَوْلُهُ وَقَرَأَ أَيِ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ الْمَذْكُورُ وَدَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِلَى آخِرِهَا رُوِّينَاهُ مَوْصُولًا فِي حِلْيَةِ الْأَوْلِيَاءِ لِأَبِي نُعَيْمٍ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ الْحَافِظِ الْمَعْرُوفِ بِمُرَبَّعٍ بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ وَزْنُ مُحَمَّدٍ قَالَ حَدَّثَنَا سعيد هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْوَاسِطِيُّ حَدَّثَنَا أَبُو الْعَوَّامِ هُوَ عِمْرَانُ الْقطَّان عَن قَتَادَة عَن الْحسن وَهُوَ بن أَبِي الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ فَذَكَرَهُ وَمَعْنَى أَخَذَ اللَّهُ عَلَى الْحُكَّامِ عَهِدَ إِلَيْهِمْ قَوْلُهُ فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ وَلَمْ يَلُمْ دَاوُدَ وَلَوْلَا مَا ذَكَرَ اللَّهُ مِنْ أَمْرِ هَذَيْنِ يَعْنِي دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ وَقَوْلُهُ لَرَأَيْتُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَرَوَيْتُ أَنَّ الْقُضَاةَ هَلَكُوا يَعْنِي لِمَا تَضَمَّنَتْهُ الْآيَتَانِ الْمَاضِيَتَانِ أَنَّ مَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ كَافِرٌ فَدَخَلَ فِي عُمُومِهِ الْعَامِدُ وَالْمُخْطِئُ وَكَذَا قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ الَّذِينَ يَضِلُّونَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ يَشْمَلُ الْعَامِدَ وَالْمُخْطِئَ فَاسْتَدَلَّ بِالْآيَةِ الْأُخْرَى فِي قِصَّةِ الْحَرْثِ أَنَّ الْوَعِيدَ خَاصٌّ بِالْعَامِدِ فَأَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِقَوْلِهِ فَإِنَّهُ أَثْنَى عَلَى هَذَا بِعِلْمِهِ أَيْ بِسَبَبِ عِلْمِهِ أَيْ مَعْرِفَتِهِ وَفَهْمِهِ وَجْهَ الْحُكْمِ وَالْحُكْمَ بِهِ وَعَذَرَ بِفَتْحِ الذَّالِ الْمُعْجَمَةِ هَذَا بِاجْتِهَادِهِ وَرُوِّينَا بَعْضَهُ فِي تَفْسِيرِ بن أَبِي حَاتِمٍ وَفِي الْمُجَالَسَةِ لِأَبِي بَكْرٍ الدِّينَوَرِيِّ وَفِي أَمَالِي الصُّولِيِّ جَمِيعًا يَزِيدُ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ مِنْ طَرِيقِ حَمَّادِ بْنِ سَلَمَةَ عَنْ حُمَيْدٍ الطَّوِيلِ قَالَ دَخَلْنَا مَعَ الْحَسَنِ عَلَى إِيَاسِ بْنِ مُعَاوِيَةَ حِينَ اسْتُقْضِيَ قَالَ فَبَكَى إِيَاسٌ وَقَالَ يَا أَبَا سَعِيدٍ يَعْنِي الْحَسَنَ الْبَصْرِيَّ الْمَذْكُورَ يَقُولُونَ الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ رَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ مَالَ مَعَ الْهَوَى فَهُوَ فِي النَّارِ وَرَجُلٌ اجْتَهَدَ فَأَصَابَ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ فَقَالَ الْحَسَنُ إِنَّ فِيمَا قَصَّ اللَّهُ عَلَيْكَ مِنْ نَبَأِ سُلَيْمَانَ مَا يَرُدُّ عَلَى مَنْ قَالَ هَذَا وَقَرَأَ وَدَاوُدَ وَسليمَان إِذْ يحكمان فِي الْحَرْث إِلَى قَوْله شَاهِدين قَالَ فَحَمِدَ سُلَيْمَانَ لِصَوَابِهِ وَلَمْ يَذُمَّ دَاوُدَ لِخَطَئِهِ ثُمَّ قَالَ إِنَّ اللَّهَ أَخَذَ عَلَى الْحُكَّامِ عَهْدًا بِأَنْ لَا يَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا وَلَا يَتَّبِعُوا فِيهِ الْهَوَى وَلَا يَخْشَوْا فِيهِ أَحَدًا ثُمَّ تَلَا يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَليفَة إِلَى آخَرِ الْآيَةِ قُلْتُ وَالْحَدِيثُ الَّذِي أَشَارَ إِلَيْهِ إِيَاسٌ أَخْرَجَهُ أَصْحَابُ السُّنَنِ مِنْ حَدِيثِ بُرَيْدَةَ وَلَكِنْ عِنْدَهُمُ الثَّالِثُ قَضَى بِغَيْرِ عِلْمٍ وَقَدْ جَمَعْتُ طُرُقَهُ فِي جُزْءٍ مُفْرَدٍ وَلَيْسَ فِي شَيْءٍ مِنْهَا أَنَّهُ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ وَسَيَأْتِي حُكْمُ مَنِ اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ بَعْدَ أَبْوَابٍ وَاسْتُدِلَّ بِهَذِهِ الْقِصَّةِ عَلَى أَنَّ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي الْأَحْكَامِ وَلَا يَنْتَظِرَ نُزُولَ الْوَحْيِ لِأَنَّ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى مَا وَرَدَ اجْتَهَدَ فِي الْمَسْأَلَةِ الْمَذْكُورَةِ قَطْعًا لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ قَضَى فِيهَا بِالْوَحْيِ مَا خَصَّ اللَّهُ سُلَيْمَانَ بِفَهْمِهَا دُونَهُ وَقَدِ اخْتَلَفَ مَنْ أَجَازَ لِلنَّبِيِّ أَنْ يَجْتَهِدَ هَلْ يَجُوزُ عَلَيْهِ الْخَطَأُ فِي اجْتِهَادِهِ فَاسْتَدَلَّ مَنْ أَجَازَ

الصفحة 147