كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

الْأَمْرُ الْقَدِيمُ لِأَنَّهُ يَصِلُ إِلَى الْقَاضِي فِيهِ الْمَرْأَةُ وَالضَّعِيفُ وَإِذَا كَانَ فِي مَنْزِلِهِ لَمْ يصل إِلَيْهِ النَّاس لَا مَكَان الِاحْتِجَابِ قَالَ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَكَرِهَتْ ذَلِكَ طَائِفَةٌ وَكَتَبَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ إِلَى الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَنْ لَا تَقْضِيَ فِي الْمَسْجِدِ فَإِنَّهُ يَأْتِيكَ الْحَائِضُ وَالْمُشْرِكُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ أَحَبُّ إِلَيَّ أَنْ يُقْضَى فِي غَيْرِ الْمَسْجِدِ لِذَلِكَ وَقَالَ الْكَرَابِيسِيُّ كَرِهَ بَعْضُهُمُ الْحُكْمَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ قَدْ يَكُونُ الْحُكْمُ بَيْنَ مُسْلِمٍ وَمُشْرِكٍ فَيَدْخُلُ الْمُشْرِكُ الْمَسْجِدَ قَالَ وَدُخُولُ الْمُشْرِكِ الْمَسْجِدَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنَّ الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ لَمْ يَزَلْ مِنْ صَنِيعِ السَّلَفِ فِي مَسْجِدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَغَيْرِهِ ثُمَّ سَاقَ فِي ذَلِكَ آثَارًا كَثِيرَة قَالَ بن بَطَّالٍ وَحَدِيثُ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ حُجَّةٌ لِلْجَوَازِ وَإِنْ كَانَ الْأَوْلَى صِيَانَةَ الْمَسْجِدِ وَقَدْ قَالَ مَالِكٌ كَانَ مَنْ مَضَى يَجْلِسُونَ فِي رِحَابِ الْمَسْجِدِ إِمَّا فِي مَوْضِعِ الْجَنَائِزِ وَإِمَّا فِي رَحَبَةِ دَارِ مَرْوَانَ قَالَ وَإِنِّي لَأَسْتَحِبُّ ذَلِكَ فِي الْأَمْصَارِ لِيَصِلَ إِلَيْهِ الْيَهُودِيُّ وَالنَّصْرَانِيُّ وَالْحَائِضُ والضعيف وَهُوَ أقرب إِلَى التَّوَاضُع وَقَالَ بن الْمُنِيرِ لِرَحَبَةِ الْمَسْجِدِ حُكْمُ الْمَسْجِدِ إِلَّا إِنْ كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا كَانَتْ مُنْفَصِلَةً عَنْهُ وَيُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ جُلُوسُ الْقَاضِي فِي الرَّحَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَقِيَامُ الْخُصُومِ خَارِجًا عَنْهَا أَوْ فِي الرَّحَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ وَكَأَنَّ التَّابِعِيَّ الْمَذْكُورَ يَرَى أَنَّ الرَّحَبَةَ لَا تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَلَوِ اتَّصَلَتْ بِالْمَسْجِدِ وَهُوَ خِلَافٌ مَشْهُورٌ فَقَدْ وَقَعَ لِلشَّافِعِيَّةِ فِي حُكْمِ رَحَبَةِ الْمَسْجِدِ اخْتِلَافٌ فِي التَّعْرِيفِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ عَلَى صِحَّةِ صَلَاةِ مَنْ فِي الرَّحَبَةِ الْمُتَّصِلَةِ بِالْمَسْجِدِ بِصَلَاةِ مَنْ فِي الْمَسْجِدِ قَالَ وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْحَرِيمِ وَالرَّحَبَةِ أَنَّ لِكُلِّ مَسْجِدٍ حَرِيمًا وَلَيْسَ لِكُلِّ مَسْجِدٍ رَحَبَةٌ فَالْمَسْجِدُ الَّذِي يَكُونُ أَمَامَهُ قِطْعَةٌ مِنَ الْبُقْعَةِ هِيَ الرَّحَبَةُ وَهِيَ الَّتِي لَهَا حُكْمُ الْمَسْجِدِ وَالْحَرِيمُ هُوَ الَّذِي يُحِيطُ بِهَذِهِ الرَّحَبَةِ وَبِالْمَسْجِدِ وَإِنْ كَانَ سُورُ الْمَسْجِدِ مُحِيطًا بِجَمِيعِ الْبُقْعَةِ فَهُوَ مَسْجِدٌ بِلَا رَحَبَةٍ وَلَكِنْ لَهُ حَرِيمٌ كَالدُّورِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَسَكَتَ عَمَّا إِذَا بَنَى صَاحِبُ الْمَسْجِدِ قِطْعَةً مُنْفَصِلَةً عَنِ الْمَسْجِدِ هَلْ هِيَ رَحَبَةٌ تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَعَمَّا إِذَا كَانَ فِي الْحَائِطِ الْقِبْلِيِّ مِنَ الْمَسْجِدِ رِحَابٌ بِحَيْثُ لَا تَصِحُّ صَلَاةُ مَنْ صَلَّى فِيهَا خَلْفَ إِمَامِ الْمَسْجِدِ هَلْ تُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يُعْطَى حُكْمَ الْمَسْجِدِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ فِي الْأُولَى وَيَصِحُّ الِاعْتِكَافُ فِي الثَّانِيَةِ وَقَدْ يُفَرَّقُ حُكْمُ الرَّحَبَةِ مِنَ الْمَسْجِدِ فِي جَوَازِ اللَّغَطِ وَنَحْوِهِ فِيهَا بِخِلَافِ الْمَسْجِدِ مَعَ إِعْطَائِهَا حُكْمَ الْمَسْجِدِ فِي الصَّلَاةِ فِيهَا فَقَدْ أَخْرَجَ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّأِ مِنْ طَرِيقِ سَالِمِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ بَنَى عُمَرُ إِلَى جَانِبِ الْمَسْجِدِ رَحَبَةً فَسَمَّاهَا الْبَطْحَاءَ فَكَانَ يَقُولُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَلْغَطَ أَوْ يُنْشِدَ شِعْرًا أَوْ يَرْفَعَ صَوتا فَليخْرجْ إِلَى هَذِه الرحبة

الصفحة 156