كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

أَقَرَّ بِهِ أَحَدُ الْخَصْمَيْنِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ الحكم وَقَالَ بن الْقَاسِمِ وَأَشْهَبُ لَا يَقْضِي بِمَا يَقَعُ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ إِلَّا إِذَا شَهِدَ بِهِ عِنْده وَقَالَ بن الْمُنِيرِ مَذْهَبُ مَالِكٍ أَنَّ مَنْ حَكَمَ بِعِلْمِهِ يَقْضِي عَلَى الْمَشْهُورِ إِلَّا إِنْ كَانَ عِلْمُهُ حَادِثًا بَعْدَ الشُّرُوعِ فِي الْمُحَاكَمَةِ فَقَوْلَانِ وَأَمَّا مَا أَقَرَّ بِهِ عِنْدَهُ فِي مَجْلِسِ الْحُكْمِ فَيَحْكُمُ مَا لَمْ يُنْكِرِ الْخَصْمُ بَعْدَ إِقْرَارِهِ وَقبل الحكم عَلَيْهِ فان بن الْقَاسِمِ قَالَ لَا يَحْكُمُ عَلَيْهِ حِينَئِذٍ وَيَكُونُ شَاهدا وَقَالَ بن الْمَاجِشُونِ يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ وَفِي الْمَذْهَبِ تَفَارِيعُ طَوِيلَةٌ فِي ذَلِك ثمَّ قَالَ بن الْمُنِيرِ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا بُدَّ أَنْ يَشْهَدَ عَلَيْهِ فِي الْمَجْلِسِ شَاهِدَانِ يُؤَوَّلُ إِلَى الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ لِأَنَّهُ لَا يَخْلُو أَنْ يُؤَدِّيَا أَولا إِنْ أَدَّيَا فَلَا بُدَّ مِنَ الْأَعْذَارِ فَإِنْ أُعْذِرَ احْتِيجَ إِلَى الْإِثْبَاتِ وَتَسَلْسَلَتِ الْقَضِيَّةُ وَإِنْ لَمْ يَحْتَجْ رَجَعَ إِلَى الْحُكْمِ بِالْإِقْرَارِ وَإِنْ لم يؤديا فَهِيَ كَالْعَدَمِ وَأَجَابَ غَيْرُهُ أَنَّ فَائِدَةَ ذَلِكَ رَدْعُ الْخَصْمِ عَنِ الْإِنْكَارِ لِأَنَّهُ إِذَا عَرَفَ أَنَّ هُنَاكَ مَنْ يَشْهَدُ امْتَنَعَ مِنَ الْإِنْكَارِ خَشْيَةَ التَّعْزِيرِ بِخِلَافِ مَا إِذَا أَمِنَ ذَلِكَ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِرَاقِ مَا سَمِعَ أَوْ رَآهُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ قَضَى بِهِ وَمَا كَانَ فِي غَيْرِهِ لَمْ يَقْضِ إِلَّا بِشَاهِدَيْنِ يُحْضِرُهُمَا إِقْرَارَهُ بِضَمِّ أَوَّلِهِ مِنَ الرُّبَاعِيِّ قُلْتُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَيُوَافِقُهُمْ مطرف وبن الْمَاجشون وَأصبغ وَسَحْنُون من الْمَالِكِيَّة قَالَ بن التِّينِ وَجَرَى بِهِ الْعَمَلُ وَيُوَافِقُهُ مَا أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ بن سِيرِينَ قَالَ اعْتَرَفَ رَجُلٌ عِنْدَ شُرَيْحٍ بِأَمْرٍ ثُمَّ أَنْكَرَهُ فَقَضَى عَلَيْهِ بِاعْتِرَافِهِ فَقَالَ أَتَقْضِي عَليّ بِغَيْر بَيِّنَة فَقَالَ شهد عَلَيْك بن أُخْتِ خَالَتِكَ يَعْنِي نَفْسَهُ قَوْلُهُ وَقَالَ آخَرُونَ مِنْهُمْ بَلْ يَقْضِي بِهِ لِأَنَّهُ مُؤْتَمَنٌ بِفَتْحِ الْمِيمِ اسْمُ مَفْعُولٍ وَإِنَّمَا يُرَادُ بِالشَّهَادَةِ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ فَعِلْمُهُ أَكْبَرُ مِنَ الشَّهَادَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمَنْ تَبِعَهُ وَوَافَقَهُمُ الشَّافِعِيُّ قَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْكَرَابِيسِيُّ قَالَ الشَّافِعِيُّ بِمِصْرَ فِيمَا بَلَغَنِي عَنْهُ إِنْ كَانَ الْقَاضِي عَدْلًا لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي حَدٍّ وَلَا قِصَاصٍ إِلَّا مَا أُقِرَّ بِهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَيَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي كُلِّ الْحُقُوقِ مِمَّا عَلِمَهُ قَبْلَ أَنْ يَلِي الْقَضَاء أَو بعد مَا وَلِيَ فَقَيَّدَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْقَاضِي عَدْلًا إِشَارَةً إِلَى أَنَّهُ رُبَّمَا وَلِيَ الْقَضَاءَ مَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ بِطَرِيقِ التَّغَلُّبِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَعْنِي أَهْلَ الْعِرَاقِ يَقْضِي بِعِلْمِهِ فِي الْأَمْوَالِ وَلَا يَقْضِي فِي غَيْرِهَا هُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِيمَا نَقَلَهُ الْكَرَابِيسِيُّ عَنْهُ إِذَا رَأَى الْحَاكِمُ رَجُلًا يَزْنِي مَثَلًا لَمْ يَقْضِ بِعِلْمِهِ حَتَّى تَكُونَ بَيِّنَةٌ تَشْهَدُ بِذَلِكَ عِنْدَهُ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ الْقِيَاسُ أَنَّهُ يَحْكُمُ فِي ذَلِكَ كُلِّهِ بِعِلْمِهِ وَلَكِنْ أَدَّعِ الْقِيَاسَ وَأَسْتَحْسِنُ أَنْ لَا يَقْضِيَ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِهِ تَنْبِيهٌ اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يَقْضِي فِي قَبُولِ الشَّاهِدِ وَرَدِّهِ بِمَا يَعْلَمُهُ مِنْهُ مِنْ تَجْرِيحٍ أَوْ تَزْكِيَةٍ وَمُحَصَّلُ الْآرَاءِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ سَبْعَةٌ ثَالِثُهَا فِي زَمَنِ قَضَائِهِ خَاصَّةً رَابِعُهَا فِي مَجْلِسِ حُكْمِهِ خَامِسُهَا فِي الْأَمْوَالِ دُونَ غَيْرِهَا سَادِسُهَا مِثْلُهُ وَفِي الْقَذْفِ أَيْضًا وَهُوَ عَنْ بَعْضِ الْمَالِكِيَّةِ سَابِعُهَا فِي كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا فِي الْحُدُودِ وَهَذَا هُوَ الرَّاجِح عِنْد الشَّافِعِيَّة وَقَالَ بن الْعَرَبِيِّ لَا يَقْضِي الْحَاكِمُ بِعِلْمِهِ وَالْأَصْلُ فِيهِ عِنْدَنَا الْإِجْمَاعُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْكُمُ بِعِلْمِهِ فِي الْحُدُودِ ثُمَّ أَحْدَثَ بَعْضُ الشَّافِعِيَّةِ قَوْلًا مُخَرَّجًا أَنَّهُ يَجُوزُ فِيهَا أَيْضًا حِينَ رَأَوْا أَنَّهَا لَازِمَةً لَهُمْ كَذَا قَالَ فَجَرَى عَلَى عَادَتِهِ فِي التَّهْوِيلِ وَالْإِقْدَامِ عَلَى نَقْلِ الْإِجْمَاعِ مَعَ شُهْرَةِ الِاخْتِلَافِ قَوْلُهُ وَقَالَ الْقَاسِمُ لَا يَنْبَغِي لِلْحَاكِمِ أَنْ يَقْضِيَ قَضَاءً بِعِلْمِهِ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَمْضِي قَوْلُهُ دُونَ عِلْمِ غَيْرِهِ أَيْ إِذَا كَانَ وَحْدَهُ عَالِمًا بِهِ لَا غَيْرُهُ قَوْلُهُ وَلَكِنَّ بِالتَّشْدِيدِ وَفِي نُسْخَةٍ بِالتَّخْفِيفِ وَتَعَرُّضٌ بِالرَّفْعِ قَوْلُهُ وَإِيقَاعًا عَطْفٌ عَلَى تَعَرُّضًا أَوْ نُصِبَ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ وَالْعَامِلُ فِيهِ مُتَعَلق الظّرْف وَالقَاسِم الْمَذْكُور كنت أَظن انه بن مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ أَحَدُ الْفُقَهَاءِ السَّبْعَةِ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لِأَنَّهُ إِذَا أُطْلِقَ فِي الْفُرُوعِ الْفِقْهِيَّةِ انْصَرَفَ الذِّهْنُ إِلَيْهِ لَكِنْ رَأَيْتُ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ أَنَّهُ الْقَاسِمُ بْنِ عَبْدُ الرَّحْمَنَ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ وَهُوَ الَّذِي

الصفحة 161