كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

وَلَوْ قِيلَ بِالْفَاءِ مَعَ التَّخْفِيفِ لَمْ يَسْتَقِمْ لِأَنَّهُ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا قُلْتُ لَوْ ثَبَتَتِ الرِّوَايَةُ بِالْفَاءِ لَكَانَ مُسْتَقِيمًا وَالْمَعْنَى أَنَّهُ يُوجَدُ كَثِيرًا مُسْتَفِيضًا عِنْدَ كُلِّ أَحَدٍ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ يُلْقَى بِتَخْفِيفِ اللَّامِ وَالْفَاءِ أَيْ يُتْرَكُ لِأَجْلِ كَثْرَةِ الْمَالِ وَإِفَاضَتِهِ حَتَّى يُهِمَّ ذَا الْمَالِ مَنْ يَقْبَلُ صَدَقَتَهُ فَلَا يَجِدُ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ بِمَعْنَى يُوجَدُ لِأَنَّهُ مَا زَالَ مَوْجُودًا كَذَا جَزَمَ بِهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يَرِدُ عَلَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُ وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ فَالْمُرَادُ كَثْرَتُهَا وَاشْتِهَارُهَا وَعَدَمُ التَّكَاتُمِ بِهَا وَالله الْمُسْتَعَان قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ إِلْقَاءُ الشُّحِّ عَامًّا فِي الْأَشْخَاصِ وَالْمَحْذُورُ مِنْ ذَلِكَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهِ مَفْسَدَةٌ وَالشَّحِيحُ شَرْعًا هُوَ مَنْ يَمْنَعُ مَا وَجَبَ عَلَيْهِ وَإِمْسَاكُ ذَلِكَ مُمْحِقٌ لِلْمَالِ مُذْهِبٌ لِبَرَكَتِهِ وَيُؤَيِّدُهُ مَا نَقَصَ مَالٌ مِنْ صَدَقَةٍ فَإِنَّ أَهْلَ الْمَعْرِفَةِ فَهِمُوا مِنْهُ أَنَّ الْمَالَ الَّذِي يُخْرَجُ مِنْهُ الْحَقُّ الشَّرْعِيُّ لَا يَلْحَقُهُ آفَةٌ وَلَا عَاهَةٌ بَلْ يَحْصُلُ لَهُ النَّمَاءُ وَمِنْ ثَمَّ سُمِّيَتِ الزَّكَاةُ لِأَنَّ الْمَالَ يَنْمُو بِهَا وَيَحْصُلُ فِيهِ الْبَرَكَةُ انْتَهَى مُلَخَّصًا قَالَ وَأَمَّا ظُهُورُ الْفِتَنِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا يُؤَثِّرُ فِي أَمْرِ الدِّينِ وَأَمَّا كَثْرَةُ الْقَتْلِ فَالْمُرَادُ بِهَا مَا لَا يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْحَقِّ كَإِقَامَةِ الْحَدِّ وَالْقِصَاصِ الْحَدِيثُ الثَّانِي وَالثَّالِثُ

[7062] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا مُسَدَّدٌ حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُوسَى كَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي ذَرٍّ عَنْ شُيُوخِهِ فِي نُسْخَةٍ مُعْتَمَدَةٍ وَسَقَطَ فِي غَيْرِهَا وَقَالَ عِيَاضٌ ثَبَتَ لِلْقَابِسِيِّ عَنْ أَبِي زَيْدٍ الْمَرْوَزِيِّ وَسَقَطَ مُسَدَّدٌ لِلْبَاقِينَ وَهُوَ الصَّوَابُ قلت وَعَلِيهِ اقْتصر أَصْحَاب الْأَطْرَاف قَوْله شَقِيق هُوَ أَبُو وَائِل قَوْله كنت مَعَ عبد الله هُوَ بن مَسْعُودٍ وَأَبُو مُوسَى هُوَ الْأَشْعَرِيُّ قَوْلُهُ فَقَالَا يَظْهَرُ مِنَ الرِّوَايَتَيْنِ اللَّتَيْنِ بَعْدَهَا أَنَّ الَّذِي تَلَفَّظَ بِذَلِكَ هُوَ أَبُو مُوسَى لِقَوْلِهِ فِي رِوَايَتِهِ فَقَالَ أَبُو مُوسَى فَذَكَرَهُ وَلَا يُعَارِضُ ذَلِكَ الرِّوَايَةَ الثَّالِثَةَ مِنْ طَرِيقِ وَاصِلٍ عَنْ أَبِي وَائِلٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَحْسَبُهُ رَفَعَهُ قَالَ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ فَذَكَرَهُ لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ أَبُو وَائِلٍ سَمِعَهُ مِنْ عَبْدِ اللَّهِ أَيْضًا لِدُخُولِهِ فِي قَوْلِهِ فِي رِوَايَةِ الْأَعْمَشِ قَالَا وَقَدِ اتَّفَقَ أَكْثَرُ الرُّوَاةِ عَنِ الْأَعْمَشِ عَلَى أَنَّهُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَأَبِي مُوسَى مَعًا وَرَوَاهُ أَبُو مُعَاوِيَةَ عَنِ الْأَعْمَشِ فَقَالَ عَنْ أَبِي مُوسَى وَلَمْ يَذْكُرْ عَبْدَ اللَّهِ أخرجه مُسلم وَأَشَارَ بن أَبِي خَيْثَمَةَ إِلَى تَرْجِيحِ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَأَمَّا رِوَايَةُ عَاصِمٍ الْمُعَلَّقَةُ الَّتِي خُتِمَ بِهَا الْبَابُ فَلَوْلَا أَنَّهُ دُونَ الْأَعْمَشِ وَوَاصِلٍ فِي الْحِفْظِ لَكَانَتْ رِوَايَتُهُ هِيَ الْمُعْتَمَدَةُ لِأَنَّهُ جَعَلَ لِكُلٍّ مِنْ أَبِي مُوسَى وَعَبْدِ اللَّهِ لَفْظَ مَتْنٍ غَيْرَ الْآخَرِ لَكِنْ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَتْنُ الْآخَرُ كَانَ عِنْدَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ مَعَ الْمَتْنِ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ يَنْزِلُ فِيهَا الْجَهْلُ وَيُرْفَعُ فِيهَا الْعِلْمُ مَعْنَاهُ أَنَّ الْعِلْمَ يَرْتَفِعُ بِمَوْتِ الْعُلَمَاءِ فَكُلَّمَا مَاتَ عَالِمٌ يَنْقُصُ الْعِلْمُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى فَقْدِ حَامِلِهِ وَيَنْشَأُ عَنْ ذَلِكَ الْجَهْلُ بِمَا كَانَ ذَلِكَ الْعَالِمُ يَنْفَرِدُ بِهِ عَنْ بَقِيَّةِ الْعُلَمَاءِ قَوْلُهُ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ لَأَيَّامًا فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ بِحَذْفِ اللَّامِ قَوْلُهُ وَيَكْثُرُ فِيهَا الْهَرْجُ وَالْهَرْجُ الْقَتْلُ كَذَا فِي هَاتَيْنِ الرِّوَايَتَيْنِ وَزَادَ فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ وَهِيَ رِوَايَةِ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ عَنِ الْأَعْمَشِ وَالْهَرْجُ بِلِسَانِ الْحَبَشَةِ الْقَتْلُ وَنُسِبَ التَّفْسِيرُ فِي رِوَايَةِ وَاصِلٍ لِأَبِي مُوسَى وَأَصْلُ الْهَرْجِ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ الِاخْتِلَاطُ يُقَالُ هَرَجَ النَّاسُ اخْتَلَطُوا وَاخْتَلَفُوا وَهَرَجَ الْقَوْمُ فِي الْحَدِيثِ إِذَا كَثُرُوا وَخَلَطُوا وَأَخْطَأَ مَنْ قَالَ نِسْبَةُ تَفْسِيرِ الْهَرْجِ بِالْقَتْلِ لِلِسَانِ الْحَبَشَةِ وَهْمٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ وَإِلَّا فَهِيَ عَرَبِيَّةٌ صَحِيحَةٌ وَوَجْهُ الْخَطَأِ أَنَّهَا لَا تُسْتَعْمَلُ فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ بِمَعْنَى الْقَتْلِ إِلَّا عَلَى طَرِيقِ الْمَجَازِ لِكَوْنِ الِاخْتِلَاطِ مَعَ الِاخْتِلَافِ يُفْضِي كَثِيرًا إِلَى الْقَتْلِ وَكَثِيرًا مَا يُسمى الشَّيْء باسم مَا يؤول إِلَيْهِ وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْقَتْلِ بِطَرِيقِ الْحَقِيقَةِ هُوَ بِلِسَانِ الْحَبَشِ وَكَيْفَ يُدَّعَى عَلَى مِثْلِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الْوَهْمُ فِي تَفْسِيرِ لَفْظَةٍ لُغَوِيَّةٍ بَلِ الصَّوَابُ مَعَهُ وَاسْتِعْمَالُ الْعَرَبِ الْهَرْجَ بِمَعْنَى الْقَتْلِ لَا يَمْنَعُ كَوْنَهَا لُغَةَ الْحَبَشَةِ وَإِنْ وَرَدَ اسْتِعْمَالُهَا فِي الِاخْتِلَاطِ وَالِاخْتِلَافِ كَحَدِيثِ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ رَفَعَهُ الْعِبَادَةُ فِي

الصفحة 18