كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

عَلَيْهِ الْحَدِيثُ وَحَاصِلُ مَا فِي الْآيَةِ الزَّجْرُ عَن الْحَسَد وَحَاصِل مَا فِي الْحَدِيثِ الْحَثُّ عَلَى الصَّبْرِ لِأَنَّ تَمَنِّيَ الْمَوْتِ غَالِبًا يَنْشَأُ عَنْ وُقُوعِ أَمْرٍ يَخْتَارُ الَّذِي يَقَعُ بِهِ الْمَوْتَ عَلَى الْحَيَاةِ فَإِذَا نَهَى عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ كَانَ أَمَرَ بِالصَّبْرِ عَلَى مَا نَزَلَ بِهِ وَيَجْمَعُ الْحَدِيثُ وَالْآيَةُ الْحَثَّ عَلَى الرِّضَا بِالْقَضَاءِ وَالتَّسْلِيمِ لِأَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَوَقَعَ فِي حَدِيثِ أَنَسٍ مِنْ طَرِيقِ ثَابِتٍ عَنْهُ فِي بَابِ تَمَنِّي الْمَرِيضِ الْمَوْتَ مِنْ كِتَابِ الْمَرْضَى بَعْدَ النَّهْيِ عَنْ تَمَنِّي الْمَوْتِ فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَاعِلًا فَلْيَقُلِ اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مَا كَانَتِ الْحَيَاةُ خَيْرًا لِي الْحَدِيثَ وَلَا يَرُدُّ عَلَى ذَلِكَ مَشْرُوعِيَّةُ الدُّعَاءِ بِالْعَافِيَةِ مَثَلًا لِأَنَّ الدُّعَاءَ بِتَحْصِيلِ الْأُمُورِ الْأُخْرَوِيَّةِ يَتَضَمَّنُ الْإِيمَانَ بِالْغَيْبِ مَعَ مَا فِيهِ مِنْ إِظْهَارِ الِافْتِقَارِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالتَّذَلُّلِ لَهُ وَالِاحْتِيَاجِ وَالْمَسْكَنَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَالدُّعَاءُ بِتَحْصِيلِ الْأُمُورِ الدُّنْيَوِيَّةِ لِاحْتِيَاجِ الدَّاعِي إِلَيْهَا فَقَدْ تَكُونُ قُدِّرَتْ لَهُ إِنْ دَعَا بِهَا فَكُلٌّ مِنَ الْأَسْبَابِ وَالْمُسَبَّبَاتِ مُقَدَّرٌ وَهَذَا كُلُّهُ بِخِلَافِ الدُّعَاءِ بِالْمَوْتِ فَلَيْسَتْ فِيهِ مَصْلَحَةٌ ظَاهِرَةٌ بَلْ فِيهِ مَفْسَدَةٌ وَهِيَ طَلَبُ إِزَالَةِ نِعْمَةِ الْحَيَاةِ وَمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْفَوَائِدِ لَا سِيَّمَا لِمَنْ يَكُونُ مُؤْمِنًا فَإِنَّ اسْتِمْرَارَ الْإِيمَانِ مِنْ أَفْضَلِ الْأَعْمَالِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَقَوْلُهُ

[7233] فِي الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ عَاصِمٌ هُوَ بن سُلَيْمَانَ الْمَعْرُوفُ بِالْأَحْوَلِ وَقَدْ سَمِعَ مِنْ أَنَسٍ وَرُبَّمَا أَدْخَلَ بَيْنَهُمَا وَاسِطَةً كَهَذَا وَوَقَعَ عِنْدَ مُسْلِمٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الْوَاحِدِ بْنِ زِيَادٍ عَنْ عَاصِمٍ عَنِ النَّضْرِ بْنِ أَنَسٍ قَالَ قَالَ أَنَسٌ وَأَنَسٌ يَوْمَئِذٍ حَيٌّ فَذَكَرَهُ وَقَوْلُهُ لَا تَمَنَّوْا بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَثَانِيهِ وَثَالِثُهُ مُشَدَّدًا وَهِيَ عَلَى حَذْفِ إِحْدَى التَّاءَيْنِ وَثَبَتَتْ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا تَتَمَنَّوْا وَزَادَ فِي رِوَايَةِ ثَابِتٍ الْمَذْكُورَةِ عَنْ أَنَسٍ لَا يَتَمَنَّيَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ لِضُرٍّ نَزَلَ بِهِ الْحَدِيثَ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْمَرْضَى وَأَوْرَدَ نَحْوَهُ مِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْعَزِيزِ بْنِ صُهَيْبٍ عَنْ أَنَسٍ فِي كِتَابِ الدَّعَوَاتِ وَمُحَمّد فِي الحَدِيث الثَّانِي هُوَ بن سَلام وَعَبدَة هُوَ بن سُلَيْمَان وبن أبي خَالِد هُوَ إِسْمَاعِيل وَقيس هُوَ بن أَبِي حَازِمٍ وَالسَّنَدُ كُلُّهُ كُوفِيُّونَ إِلَّا شَيْخَ الْبُخَارِيِّ وَقَدْ مَضَى الْكَلَامُ عَلَيْهِ فِي كِتَابِ الْمَرْضَى وَقَوْلُهُ

[7235] فِي الرِّوَايَةِ الثَّالِثَةِ عَنِ الزُّهْرِيِّ كَذَا لِهِشَامِ بْنِ يُوسُفَ عَنْ مَعْمَرٍ وَقَالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ هَمَّامِ بْنِ مُنَبِّهٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالطَّرِيقَانِ مَحْفُوظَانِ لِمَعْمَرٍ وَقَدْ أَخْرَجَهُ أَحْمَدُ عَنْ عَبْدِ الرَّزَّاقِ عَنْ مَعْمَرٍ عَنْ الزُّهْرِيِّ وَتَابَعَهُ فِيهِ عَن الزُّهْرِيّ شُعَيْب وبن أَبِي حَفْصَةَ وَيُونُسُ بْنُ يَزِيدَ وَقَوْلُهُ عَنْ أَبِي عُبَيْدٍ هُوَ سَعْدُ بْنُ عُبَيْدٍ مَوْلَى بن أَزْهَرَ وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَالْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ طَرِيقِ إِبْرَاهِيمِ بْنِ سَعْدٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُتْبَةَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ لَكِنْ قَالَ النَّسَائِيُّ إِنَّ الْأَوَّلَ هُوَ الصَّوَابُ قَوْلُهُ لَا يَتَمَنَّى كَذَا لِلْأَكْثَرِ بِلَفْظِ النَّفْيِ وَالْمُرَادُ بِهِ النَّهْيُ أَوْ هُوَ لِلنَّهْيِ وَأُشْبِعَتِ الْفَتْحَةُ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ لَا يَتَمَنَّيَنَّ بِزِيَادَةِ نُونِ التَّأْكِيدِ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ هَمَّامٍ الْمُشَارِ إِلَيْهَا لَا يَتَمَنَّ أَحَدُكُمُ الْمَوْتَ وَلَا يَدْعُ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ فَجَمَعَ فِي النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ بَيْنَ الْقَصْدِ وَالنُّطْقِ وَفِي قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَهُ إِشَارَةٌ إِلَى الزَّجْرِ عَنْ كَرَاهِيَتِهِ إِذَا حَضَرَ لِئَلَّا يَدْخُلَ فِيمَنْ كَرِهَ لِقَاءَ اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ حُضُورِ أَجَلِهِ اللَّهُمَّ أَلْحِقْنِي بِالرَّفِيقِ الْأَعْلَى وَكَلَامه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم بعد مَا خُيِّرَ بَيْنَ الْبَقَاءِ فِي الدُّنْيَا وَالْمَوْتِ فَاخْتَارَ مَا عِنْدَ اللَّهِ وَقَدْ خَطَبَ بِذَلِكَ وَفَهِمَهُ عَنْهُ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ فِي الْمَنَاقِبِ وَحِكْمَةُ النَّهْيِ عَنْ ذَلِكَ أَنَّ فِي طَلَبِ الْمَوْتِ قَبْلَ حُلُولِهِ نَوْعَ اعْتِرَاضٍ وَمُرَاغَمَةً لِلْقَدَرِ وَإِنْ كَانَتِ الْآجَالُ لَا تَزِيدُ وَلَا تَنْقُصُ فَإِنَّ تَمَنِّيَ الْمَوْتِ لَا يُؤَثِّرُ فِي زِيَادَتِهَا وَلَا نَقْصِهَا وَلَكِنَّهُ أَمْرٌ قَدْ غُيِّبَ عَنْهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَمِّ ذَلِكَ فِي حَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ بِقَبْرِ الرَّجُلِ يَقُولُ يَا لَيْتَنِي مَكَانَهُ وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ ذَلِكَ مُسْتَوْفًى فِي بَابِ

الصفحة 221