كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

(قَوْلُهُ بَابُ الِاقْتِدَاءِ بِسُنَنِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ)
أَيْ قَبُولُهَا وَالْعَمَلُ بِمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ فَأَمَّا أَقْوَالُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَتَشْتَمِلُ عَلَى أَمْرٍ وَنَهْيٍ وَإِخْبَارٍ وَسَيَأْتِي حُكْمُ الْأَمْرِ وَالنَّهْيِ فِي بَابٍ مُفْرَدٍ وَأَمَّا أَفْعَالُهُ فَتَأْتِي أَيْضًا فِي بَابٍ مُفْرَدٍ قَرِيبًا قَوْلُهُ وَقَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى وَاجْعَلْنَا لِلْمُتَّقِينَ إِمَامًا قَالَ أَئِمَّةً نَقْتَدِي بِمَنْ قَبْلَنَا وَيَقْتَدِي بِنَا مَنْ بَعْدَنَا كَذَا لِلْجَمِيعِ بِإِبْهَامِ الْقَائِلِ وَقَدْ ثَبَتَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ مُجَاهِدٍ أَخْرَجَهُ الْفِرْيَابِيُّ وَالطَّبَرِيُّ وَغَيْرُهُمَا مِنْ طَرِيقِهِ بِهَذَا اللَّفْظِ بِسَنَدٍ صَحِيح وَأخرجه بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِهِ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ أَيْضًا قَالَ يَقُولُ اجْعَلْنَا أَئِمَّةً فِي التَّقْوَى حَتَّى نَأْتَمَّ بِمَنْ كَانَ قَبْلَنَا وَيَأْتَمَّ بِنَا مَنْ بَعدنَا وللطبري وبن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَلْحَةَ عَنِ بن عَبَّاسٍ أَنَّ الْمَعْنَى اجْعَلْنَا أَئِمَّةَ التَّقْوَى لِأَهْلِهِ يقتدون بِنَا لفظ الطَّبَرِيّ وَفِي رِوَايَة بن أَبِي حَاتِمٍ اجْعَلْنَا أَئِمَّةَ هُدًى لِيُهْتَدَى بِنَا وَلَا تَجْعَلْنَا أَئِمَّةَ ضَلَالَةٍ لِأَنَّهُ قَالَ تَعَالَى لأهل السَّعَادَة وجعلناهم أَئِمَّة يهْدُونَ بأمرنا وَقَالَ لِأَهْلِ الشَّقَاوَةِ وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّار وَرَجَّحَ الطَّبَرِيُّ أَنَّهُمْ سَأَلُوا أَنْ يَكُونُوا لِلْمُتَّقِينَ أَئِمَّةً وَلَمْ يَسْأَلُوا أَنْ يَجْعَلَ الْمُتَّقِينَ لَهُمْ أَئِمَّةً ثُمَّ تَكَلَّمَ الطَّبَرِيُّ عَلَى إِفْرَادِ إِمَامًا مَعَ أَنَّ الْمُرَادَ جَمَاعَةٌ بِمَا حَاصِلُهُ أَنَّ الْإِمَامَ اسْمُ جِنْسٍ فَيَتَنَاوَلُ الْوَاحِدَ فَمَا فَوْقَهُ وَأَخْرَجَ عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ قَتَادَة فِي قَوْله واجعلنا لِلْمُتقين إِمَامًا أَيْ قَادَةً فِي الْخَيْرِ وَدُعَاةَ هُدًى يُؤْتَمُّ بِنَا فِي الْخَيْر وَأخرج بن أَبِي حَاتِمٍ مِنْ طَرِيقِ السُّدِّيِّ لَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ نَؤُمَّ النَّاسَ وَإِنَّمَا أَرَادُوا اجْعَلْنَا أَئِمَّةً لَهُمْ فِي الْحَلَالِ وَالْحَرَامِ يَقْتَدُونَ بِنَا فِيهِ وَمن طَرِيقِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ مَعْنَاهُ اجْعَلْنِي رِضًا فَإِذَا قُلْتُ صَدَّقُونِي وَقَبِلُوا مِنِّي تَنْبِيهٌ اقْتَصَرَ شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ تَبَعًا لِمَنْ تَقَدَّمَهُ عَلَى عَزْوِ التَّفْسِيرِ الْمَذْكُورِ أَوَّلًا لِلْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَلَمْ أَرَ لَهُ عَنْهُ سَنَدًا وَالثَّانِي لِلضَّحَّاكِ وَقَدْ صَحَّ عَن بن عَبَّاس وَرَوَاهُ بن أَبِي حَاتِمٍ عَنْ عِكْرِمَةَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَنَقله بن أَبِي حَاتِمٍ أَيْضًا عَنْ أَبِي صَالِحٍ وَعَبْدِ الله بن شَوْذَب قَوْله وَقَالَ بن عَوْنٍ هُوَ عَبْدُ اللَّهِ الْبَصْرِيُّ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ ثَلَاثٌ أُحِبُّهُنَّ لِنَفْسِي إِلَخْ وَصَلَهُ مُحَمَّدُ بن

الصفحة 251