كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

فَهُوَ أَمْرٌ بِالسُّكُوتِ وَقَالَ اللَّيْثُ قَدْ تَكُونُ كَلِمَةَ اسْتِزَادَةٍ وَقَدْ تَكُونُ كَلِمَةَ زَجْرٍ كَمَا يُقَال إِيهٍ عَنَّا أَيْ كُفَّ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ هِيهِ هُنَا بِكَسْرِ الْهَاءِ الْأُولَى وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ بِهَمْزَةٍ بَدَلَهَا وَهُوَ مِنْ أَسْمَاءِ الْأَفْعَالِ تُقَالُ لِمَنْ تَسْتَزِيدُهُ كَذَا قَالَ وَلَمْ يَضْبِطِ الْهَاءَ الثَّانِيَةَ ثُمَّ قَالَ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ هِيَ بِحَذْفِ الْهَاءِ الثَّانِيَةِ وَالْمَعْنَى وَاحِدٌ أَوْ هُوَ ضَمِيرٌ لِمَحْذُوفٍ أَيْ هِيَ دَاهِيَةٌ أَوِ الْقِصَّةُ هَذِه انْتهى وَاقْتصر شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ فِي شَرْحِهِ عَلَى قَوْلِهِ هِيَ يَا بن الْخَطَّابِ بِمَعْنَى التَّهْدِيدِ لَهُ وَوَقَعَ فِي تَنْقِيحِ الزَّرْكَشِيّ فَقَالَ هيء يَا بن الْخَطَّابِ بِكَسْرِ الْهَاءِ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ تَقُولُ لِلرَّجُلِ إِذَا اسْتَزَدْتَهُ هِيهِ وَإِيهٍ انْتَهَى وَقَوْلُهُ وَآخِرُهُ هَمْزَةٌ مَفْتُوحَةٌ لَا وَجْهَ لَهُ وَلَعَلَّهُ مِنَ النَّاسِخِ أَوْ سَقَطَ مِنْ كَلَامِهِ شَيْءٌ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ السِّيَاقُ أَنَّهُ أَرَادَ بِهَذِهِ الْكَلِمَةِ الزَّجْرَ وَطَلَبَ الْكَفَّ لَا الِازْدِيَادَ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَيْءٌ مِنَ الْكَلَامِ عَلَى هَذِهِ الْكَلِمَةِ فِي مَنَاقِب عمر وَقَوله يَا بن الْخَطَّابِ هَذَا أَيْضًا مِنْ جَفَائِهِ حَيْثُ خَاطَبَهُ بِهَذِهِ الْمُخَاطَبَةِ وَقَوْلُهُ وَاللَّهِ مَا تُعْطِينَا الْجَزْلَ بِفَتْحِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الزَّايِ بَعْدَهَا لَامٌ أَيِ الْكَثِيرَ وَأَصْلُ الْجَزْلِ مَا عَظُمَ مِنَ الْحَطَبِ قَوْلُهُ وَلَا تَحْكُمُ فِي رِوَايَةِ غَيْرِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَمَا بِالْمِيمِ بَدَلَ اللَّامِ قَوْلُهُ حَتَّى هَمَّ بِأَنْ يَقَعَ بِهِ أَيْ يَضْرِبُهُ وَفِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ عَنِ الزُّهْرِيِّ فِي التَّفْسِيرِ حَتَّى هَمَّ بِهِ وَفِي رِوَايَةٍ فِيهِ حَتَّى هَمَّ أَنْ يُوقِعَ بِهِ قَوْلُهُ فَقَالَ الْحُرُّ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فِي رِوَايَةِ شُعَيْبٍ الْمَذْكُورَةِ فَقَالَ لَهُ الْحُرُّ وَفِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ طَرِيقِ بِشْرِ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنِ الزُّهْرِيِّ فَقَالَ الْحُرُّ بْنُ قَيْسٍ قُلْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا يَقْتَضِي ان يكون من رِوَايَة بن عَبَّاسٍ عَنِ الْحُرِّ وَأَنَّهُ مَا حَضَرَ الْقِصَّةَ بَلْ حَمَلَهَا عَنْ صَاحِبِهَا وَهُوَ الْحُرُّ وَعَلَى هَذَا فَيَنْبَغِي أَنْ يُتَرْجَمَ لِلْحُرِّ فِي رِجَالِ الْبُخَارِيِّ وَلَمْ أَرَ مَنْ فَعَلَهُ قَوْلُهُ إِنَّ اللَّهَ قَالَ لِنَبِيِّهِ فَذَكَرَ الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ وَإِنَّ هَذَا مِنَ الْجَاهِلِينَ أَيْ فَأَعْرِضْ عَنْهُ قَوْله فوَاللَّه مَا جاوزها هُوَ كَلَام بن عَبَّاس فِيمَا أَظن وَجزم شَيخنَا بن الْمُلَقِّنِ بِأَنَّهُ كَلَامُ الْحُرِّ وَهُوَ مُحْتَمِلٌ وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ الْإِسْمَاعِيلِيِّ الْمُشَارُ إِلَيْهَا وَمَعْنَى مَا جَاوَزَهَا مَا عَمِلَ بِغَيْرِ مَا دَلَّتْ عَلَيْهِ بَلْ عَمِلَ بِمُقْتَضَاهَا وَلِذَلِكَ قَالَ وَكَانَ وَقَّافًا عِنْدَ كِتَابِ اللَّهِ أَيْ يَعْمَلُ بِمَا فِيهِ وَلَا يَتَجَاوَزُهُ وَفِي هَذَا تَقْوِيَةٌ لِمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْأَكْثَرُ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ مُحْكَمَةٌ قَالَ الطَّبَرِيُّ بَعْدَ أَنْ أَوْرَدَ أَقْوَالَ السَّلَفِ فِي ذَلِكَ وَأَنَّ مِنْهُمْ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّهَا مَنْسُوخَةٌ بِآيَةِ الْقِتَالِ وَالْأَوْلَى بِالصَّوَابِ أَنَّهَا غَيْرُ مَنْسُوخَةٍ لِأَنَّ اللَّهَ أَتْبَعَ ذَلِكَ تَعْلِيمَهُ نَبِيَّهُ مُحَاجَّةَ الْمُشْرِكِينَ وَلَا دَلَالَةَ عَلَى النَّسْخِ فَكَأَنَّهَا نَزَلَتْ لِتَعْرِيفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِشْرَةَ مَنْ لَمْ يُؤْمَرْ بِقِتَالِهِ مِنَ الْمُشْرِكِينَ أَوْ أُرِيدَ بِهِ تَعْلِيمُ الْمُسْلِمِينَ وَأَمْرُهُمْ بِأَخْذِ الْعَفْوِ مِنْ أَخْلَاقِهِمْ فَيَكُونُ تَعْلِيمًا مِنَ اللَّهِ لِخَلْقِهِ صِفَةَ عِشْرَةِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا فِيمَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ فَأَمَّا الْوَاجِبُ فَلَا بُدَّ مِنْ عَمَلِهِ فِعْلًا أَوْ تَرْكًا انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ الرَّاغِبُ خُذِ الْعَفْوَ مَعْنَاهُ خُذْ مَا سَهُلَ تَنَاوُلُهُ وَقِيلَ تَعَاطَ الْعَفْوَ مَعَ النَّاسِ وَالْمَعْنَى خُذْ مَا عُفِيَ لَكَ مِنْ أَفْعَالِ النَّاسِ وَأَخْلَاقِهِمْ وَسَهُلَ مِنْ غَيْرِ كُلْفَةٍ وَلَا تَطْلُبْ مِنْهُمُ الْجَهْدَ وَمَا يَشُقُّ عَلَيْهِمْ حَتَّى يَنْفِرُوا وَهُوَ كَحَدِيثِ يَسِّرُوا وَلَا تُعَسِّرُوا وَمِنْهُ قَوْلُ الشَّاعِرِ خُذِي الْعَفْوَ مِنِّي تَسْتَدِيمِي مَوَدَّتِي وَلَا تَنْطِقِي فِي سوأتي حِين أغضب وَأخرج بن مَرْدَوَيْهِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَأَحْمَدُ مِنْ حَدِيثِ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةَ سَأَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جِبْرِيلَ فَقَالَ يَا مُحَمَّدُ إِنَّ رَبَّكَ يَأْمُرُكَ أَنْ تَصِلَ مَنْ قَطَعَكَ وَتُعْطِيَ مَنْ حَرَمَكَ وَتَعْفُوَ عَمَّنْ ظَلَمَكَ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَلَا أَدُلُّكُمْ عَلَى أَشْرَفِ أَخْلَاقِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَة قَالُوا وَمَا ذَاك فَذكره قَالَ الطببي مَا مُلَخَّصُهُ أَمَرَ اللَّهُ نَبِيَّهُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ فَأَمَرَ أُمَّتَهُ بِنَحْوِ مَا أَمَرَهُ اللَّهُ بِهِ وَمُحَصَّلُهُمَا الْأَمْرُ بِحُسْنِ الْمُعَاشَرَةِ مَعَ النَّاسِ وَبَذْلُ الْجَهْدِ

الصفحة 259