كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

مَا لَمْ تَقُمْ قَرِينَةٌ تَدُلُّ عَلَى الْخُصُوصِيَّةِ وَذَهَبَ الْجُمْهُورُ إِلَى الْأَوَّلِ وَالْحُجَّةُ لَهُ أَنَّ الْقَوْلَ يُعَبَّرُ بِهِ عَنِ الْمَحْسُوسِ وَالْمَعْقُولِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَيَخْتَصُّ بِالْمَحْسُوسِ فَكَانَ الْقَوْلُ أَتَمَّ وَبِأَنَّ الْقَوْلَ مُتَّفَقٌ عَلَى أَنَّهُ دَلِيلٌ بِخِلَافِ الْفِعْلِ وَلِأَنَّ الْقَوْلَ يَدُلُّ بِنَفْسِهِ بِخِلَافِ الْفِعْلِ فَيَحْتَاجُ إِلَى وَاسِطَةٍ وَبِأَنَّ تَقْدِيمَ الْفِعْلِ يُفْضِي إِلَى تَرْكِ الْعَمَلِ بِالْقَوْلِ وَالْعَمَلُ بِالْقَوْلِ يُمْكِنُ مَعَهُ الْعَمَلُ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ الْفِعْلُ فَكَانَ الْقَوْلُ أَرْجَحَ بِهَذِهِ الِاعْتِبَارَاتِ

[7298] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا سُفْيَانُ هُوَ الثَّوْرِيُّ كَمَا جَزَمَ بِهِ الْمِزِّيُّ قَوْلُهُ عَنِ بن عُمَرَ فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي نُعَيْمٍ بِسَنَدِهِ سَمِعت بن عُمَرَ قَوْلُهُ فَاتَّخَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَ مِنْ ذَهَبٍ وَفِيهِ فَنَبَذَهُ وَقَالَ إِنِّي لَمْ أَلْبَسْهُ أَبَدًا فَنَبَذَ النَّاسُ خَوَاتِيمَهُمْ اقْتَصَرَ عَلَى هَذَا الْمِثَالِ لِاشْتِمَالِهِ عَلَى تَأَسِّيهِمْ بِهِ فِي الْفِعْلِ وَالتَّرْكِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ مَا يَتَعَلَّقُ بِخَاتَمِ الذَّهَبِ فِي كتاب اللبَاس قَالَ بن بَطَّالٍ بَعْدَ أَنْ حَكَى الِاخْتِلَافَ فِي أَفْعَالِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ مُحْتَجًّا لِمَنْ قَالَ بِالْوُجُوبِ بِحَدِيثِ الْبَابِ لِأَنَّهُ خَلَعَ خَاتَمَهُ فَخَلَعُوا خَوَاتِمَهُمْ وَنَزَعَ نَعْلَهُ فِي الصَّلَاةِ فَنَزَعُوا وَلَمَّا أَمَرَهُمْ عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ بِالتَّحَلُّلِ وَتَأَخَّرُوا عَنِ الْمُبَادَرَةِ رَجَاءَ أَنْ يَأْذَنَ لَهُمْ فِي الْقِتَالِ وَأَنْ يُنْصَرُوا فَيُكْمِلُوا عُمْرَتَهُمْ قَالَتْ لَهُ أُمُّ سَلَمَةَ اخْرُجْ إِلَيْهِمْ وَاحْلِقْ وَاذْبَحْ فَفَعَلَ فَتَابَعُوهُ مُسْرِعِينَ فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْفِعْلَ أَبْلَغُ مِنَ الْقَوْلِ وَلَمَّا نَهَاهُمْ عَنِ الْوِصَالِ قَالُوا إِنَّكَ تُوَاصِلُ فَقَالَ إِنِّي أُطْعَمُ وَأُسْقَى فَلَوْلَا أَنَّ لَهُمُ الِاقْتِدَاءَ بِهِ لَقَالَ وَمَا فِي مُوَاصَلَتِي مَا يُبِيحُ لَكُمُ الْوِصَالُ لَكِنَّهُ عَدَلَ عَنْ ذَلِكَ وَبَيَّنَ لَهُمْ وَجْهَ اخْتِصَاصِهِ بِالْمُوَاصَلَةِ انْتَهَى وَلَيْسَ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرَهُ مَا يَدُلُّ عَلَى الْمُدَّعَى مِنَ الْوُجُوبِ بَلْ عَلَى مُطْلَقِ التَّأَسِّي بِهِ وَالْعلم عِنْد الله تَعَالَى

الصفحة 275