كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

وَصَلَاحُ النَّاسِ إِذَا جَاءَ الْعِلْمُ مِنْ قِبَلِ الْكَبِيرِ تَابَعَهُ عَلَيْهِ الصَّغِيرُ وَذَكَرَ أَبُو عُبَيْدٍ أَنَّ الْمُرَادَ بِالصِّغَرِ فِي هَذَا صِغَرُ الْقَدْرِ لَا السن وَالله اعْلَم

(قَوْلُهُ بَابُ إِثْمِ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ أَوْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً)
لِقَوْلِهِ تَعَالَى وَمِنْ أوزار الَّذين يضلونهم بِغَيْر علم وَرَدَ فِيمَا تَرْجَمَ بِهِ حَدِيثَانِ بِلَفْظِ وَلَيْسَا عَلَى شَرْطِهِ وَاكْتَفَى بِمَا يُؤَدِّي مَعْنَاهُمَا وَهُمَا مَا ذَكَرَهُمَا مِنَ الْآيَةِ وَالْحَدِيثِ فَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ مِنْ طَرِيقِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ دَعَا إِلَى هُدًى كَانَ لَهُ مِنَ الْأَجْرِ مِثْلُ أُجُورِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ دَعَا إِلَى ضَلَالَةٍ كَانَ عَلَيْهِ مِنَ الْإِثْمِ مِثْلُ آثَامِ مَنْ تَبِعَهُ لَا يَنْقُصُ ذَلِكَ مِنْ آثَامِهِمْ شَيْئًا وَأَمَّا حَدِيثُ مَنْ سَنَّ سُنَّةً سَيِّئَةً فَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ هِلَالٍ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْبَجَلِيِّ فِي حَدِيثٍ طَوِيلٍ قَالَ فِيهِ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً فَلَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْئًا وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً كَانَ عَلَيْهِ وِزْرُهَا وَوِزْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا بَعْدَهُ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُصَ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْئًا وَأَخْرَجَهُ مِنْ طَرِيقِ الْمُنْذِرِ بْنِ جَرِيرٍ عَنْ أَبِيهِ مِثْلَهُ لَكِنْ قَالَ شَيْءٌ فِي الْمَوْضِعَيْنِ بِالرَّفْعِ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ جَرِيرٍ بِلَفْظِ مَنْ سَنَّ سُنَّةَ خَيْرٍ وَمَنْ سَنَّ سُنَّةَ شَرٍّ وَأَمَّا الْآيَةُ فَقَالَ مُجَاهِدٌ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى لِيَحْمِلُوا أَوْزَارَهُمْ كَامِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَمِنْ أَوْزَارِ الَّذين يضلونهم قَالَ حَمَّلَهُمْ ذُنُوبَ أَنْفُسِهِمْ وَذُنُوبَ مَنْ أَطَاعَهُمْ وَلَا يُخَفِّفُ ذَلِكَ عَمَّنْ أَطَاعَهُمْ شَيْئًا وَأَخْرَجَ عَنِ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ أَنَّهُ فَسَّرَ الْآيَةَ الْمَذْكُورَةَ بِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ الْمَذْكُورِ ذَكَرَهُ مُرْسَلًا بِغَيْرِ سَنَدٍ وَأَمَّا حَدِيثُ الْبَابِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ فَقَدْ مَضَى شَرْحُهُ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الْقِصَاصِ وَتَقَدَّمَ الْبَحْثُ فِي الْمُرَادِ بِالْمُفَارِقِ لِلْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورِ فِيهِ قَالَ الْمُهَلَّبُ هَذَا الْبَابُ وَالَّذِي قَبْلَهُ فِي مَعْنَى التَّحْذِيرِ مِنَ الضَّلَالِ وَاجْتِنَابِ الْبِدَعِ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ فِي الدِّينِ وَالنَّهْيِ عَنْ مُخَالَفَةِ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ انْتَهَى وَوَجْهُ التَّحْذِيرِ أَنَّ الَّذِي يُحْدِثُ الْبِدْعَةَ قَدْ يَتَهَاوَنُ بِهَا لِخِفَّةِ أَمْرِهَا فِي أَوَّلِ الْأَمْرِ وَلَا يَشْعُرُ بِمَا يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَفْسَدَةِ وَهُوَ أَنْ يَلْحَقَهُ إِثْمُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدَهِ وَلَوْ لَمْ يَكُنْ هُوَ عَمِلَ بِهَا بل لكَونه كَانَ الأَصْل فِي أحداثها

الصفحة 302