كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)
مِنْ طَبَقَتِهِ قَوْلُهُ رَأَيْتُ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَحْلِفُ أَيْ شَاهَدْتُهُ حِينَ حَلَفَ قَوْلُهُ ان بن الصَّيَّادِ كَذَا لِأَبِي ذَرٍّ بِصِيغَةِ الْمُبَالَغَةِ وَوَقَعَ عِنْد بن بَطَّالٍ مِثْلُهُ لَكِنْ بِغَيْرِ أَلِفٍ وَلَامٍ وَكَذَا فِي رِوَايَة مُسلم وللباقين بن الصَّائِد بِوَزْن الظَّالِم قَوْله تَحْلِفُ بِاللَّهِ قَالَ إِنِّي سَمِعْتُ عُمَرَ إِلَخْ كَأَنَّ جَابِرًا لَمَّا سَمِعَ عُمَرَ يَحْلِفُ عِنْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ فَهِمَ مِنْهُ الْمُطَابَقَةَ وَلَكِنْ بَقِيَ أَنَّ شَرْطَ الْعَمَلِ بِالتَّقْرِيرِ أَنْ لَا يُعَارِضَهُ التَّصْرِيحُ بِخِلَافِهِ فَمَنْ قَالَ أَوْ فُعِلَ بِحَضْرَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ شَيْئًا فَأَقَرَّهُ دَلَّ ذَلِكَ عَلَى الْجَوَازِ فَإِنْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ افْعَلْ خِلَافَ ذَلِكَ دَلَّ عَلَى نَسْخِ ذَلِكَ التَّقْرِيرِ إِلَّا إِنْ ثَبت دَلِيل الخصوصية قَالَ بن بَطَّالٍ بَعْدَ أَنْ قَرَّرَ دَلِيلَ جَابِرٍ فَإِنْ قِيلَ تَقَدَّمَ يَعْنِي كَمَا فِي الْجَنَائِزِ أَنَّ عُمَرَ قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قصَّة بن صياد دَعْنِي أَضْرِبَ عُنُقَهُ فَقَالَ إِنْ يَكُنْ هُوَ فَلَنْ تُسَلَّطْ عَلَيْهِ فَهَذَا صَرِيحٌ فِي أَنَّهُ تَرَدَّدَ فِي أَمْرِهِ يَعْنِي فَلَا يَدُلُّ سُكُوتُهُ عَنْ إِنْكَارِهِ عِنْدَ حَلِفِ عُمَرَ عَلَى أَنَّهُ هُوَ قَالَ وَعَنْ ذَلِكَ جَوَابَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ التَّرْدِيدَ كَانَ قَبْلَ أَنْ يُعْلِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِأَنَّهُ هُوَ الدَّجَّالُ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ لَمْ يُنْكِرْ عَلَى عُمَرَ حَلِفَهُ وَالثَّانِي أَنَّ الْعَرَبَ قَدْ تُخْرِجُ الْكَلَامَ مَخْرَجَ الشَّكِّ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْخَبَرِ شَكٌّ فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ تَلَطُّفِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِعُمَرَ فِي صَرْفِهِ عَنْ قَتْلِهِ انْتَهَى مُلَخَّصًا ثُمَّ ذَكَرَ مَا وَرَدَ عَنْ غَيْرِ جَابِرٍ مِمَّا يَدُلُّ على ان بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ كَالْحَدِيثِ الَّذِي أَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاق بِسَنَد صَحِيح عَن بن عمر قَالَ لقِيت بن صَيَّادٍ يَوْمًا وَمَعَهُ رَجُلٌ مِنَ الْيَهُودِ فَإِذَا عَيْنُهُ قَدْ طَفِئَتْ وَهِيَ خَارِجَةٌ مِثْلَ عَيْنِ الْجَمَلِ فَلَمَّا رَأَيْتُهَا قُلْتُ أَنْشُدُكَ اللَّهَ يَا بن صَيَّادٍ مَتَى طَفِئَتْ عَيْنَكَ قَالَ لَا أَدْرِي وَالرَّحْمَنِ قُلْتُ كَذَبْتَ لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكِ قَالَ فَمَسَحَهَا وَنَخَرَ ثَلَاثًا فَزَعَمَ الْيَهُودِيُّ أَنِّي ضَرَبْتُ بِيَدَيَّ صَدْرَهُ وَقُلْتُ لَهُ اخْسَأْ فَلَنْ تَعْدُو قَدَرَكَ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِحَفْصَةَ فَقَالَتْ حَفْصَةُ اجْتَنِبْ هَذَا الرَّجُلَ فَإِنَّمَا يُتَحَدَّثُ أَنَّ الدَّجَّالَ يَخْرُجُ عِنْدَ غَضْبَةٍ يَغْضَبُهَا انْتَهَى وَقَدْ أَخْرَجَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثَ بِمَعْنَاهُ مِنْ وَجْهٍ آخر عَن بن عُمَرَ وَلَفْظُهُ لَقِيتُهُ مَرَّتَيْنِ فَذَكَرَ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ لَقِيتُهُ لُقْيَةً أُخْرَى وَقَدْ نَفَرَتْ عَيْنُهُ فَقُلْتُ مَتَى فَعَلَتْ عَيْنُكَ مَا أَرَى قَالَ مَا أَدْرِي قُلْتُ لَا تَدْرِي وَهِيَ فِي رَأْسِكَ قَالَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ جَعَلَهَا فِي عَصَاكَ هَذِهِ وَنَخَرَ كَأَشَدَّ نَخِيرِ حِمَارٍ سَمِعْتُ فَزَعَمَ أَصْحَابِي أَنِّي ضَرَبْتُهُ بِعَصًا كَانَتْ مَعِي حَتَّى تَكَسَّرَتْ وَأَنَا وَاللَّهِ مَا شَعَرْتُ قَالَ وَجَاءَ حَتَّى دَخَلَ عَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ حَفْصَةَ فَحَدَّثَهَا فَقَالَتْ مَا تُرِيدُ إِلَيْهِ أَلَمْ تَسْمَعْ أَنَّهُ قَدْ قَالَ إِنَّ أَوَّلَ مَا يَبْعَثُهُ على النَّاس غضب يغضبه ثمَّ قَالَ بن بَطَّالٍ فَإِنْ قِيلَ هَذَا أَيْضًا يَدُلُّ عَلَى التَّرَدُّدِ فِي أَمْرِهِ فَالْجَوَابُ أَنَّهُ إِنْ وَقَعَ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ الدَّجَّالُ الَّذِي يَقْتُلُهُ عِيسَى بن مَرْيَمَ فَلَمْ يَقَعِ الشَّكُّ فِي أَنَّهُ أَحَدُ الدَّجَّالِينَ الْكَذَّابِينَ الَّذِينَ أَنْذَرَ بِهِمُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي قَوْلِهِ إِنَّ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ دَجَّالِينَ كَذَّابِينَ يَعْنِي الْحَدِيثَ الَّذِي مَضَى مَعَ شَرْحِهِ فِي كِتَابِ الْفِتَنِ انْتَهَى وَمُحَصَّلُهُ عَدَمُ تَسْلِيمِ الْجَزْمِ بِأَنَّهُ الدَّجَّالُ فَيَعُودُ السُّؤَالُ الْأَوَّلُ عَنْ جَوَابِ حَلِفِ عُمَرَ ثُمَّ جَابِرٍ عَلَى أَنَّهُ الدَّجَّالُ الْمَعْهُودُ لَكِنْ فِي قصَّة حَفْصَة وبن عُمَرَ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمَا أَرَادَا الدَّجَّالَ الْأَكْبَرَ وَاللَّامُ فِي الْقِصَّةِ الْوَارِدَةِ عَنْهُمَا لِلْعَهْدِ لَا لِلْجِنْسِ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَنْ مُوسَى بْنِ عُقْبَةَ عَنْ نَافِعٍ قَالَ كَانَ بن عُمَرَ يَقُولُ وَاللَّهِ مَا أَشُكَّ أَنَّ الْمَسِيحَ الدَّجَّال هُوَ بن صَيَّادٍ وَوَقَعَ لِابْنِ صَيَّادٍ مَعَ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قِصَّةٌ أُخْرَى تَتَعَلَّقُ بِأَمْرِ الدَّجَّالِ فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ دَاوُدَ بْنِ أَبِي هِنْدٍ عَنِ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ صحبني بن صَيَّادٍ إِلَى مَكَّةَ فَقَالَ لِي مَاذَا لَقِيتَ مِنَ النَّاسِ يَزْعُمُونَ أَنِّي الدَّجَّالُ أَلَسْتَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ إِنَّهُ لَا يُولَدُ لَهُ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَإِنَّهُ قَدْ وُلِدَ لِي قَالَ أَوَ لَسْتَ سَمِعْتَهُ يَقُولُ لَا يَدْخُلُ الْمَدِينَةَ وَلَا مَكَّةَ قُلْتُ بَلَى قَالَ فَقَدْ وُلِدْتُ بِالْمَدِينَةِ وَهَا أَنَا أُرِيدُ مَكَّةَ وَمِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ عَنْ أَبِي نَضْرَةَ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أخذتني من بن صياد
الصفحة 325