كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ وَيُؤَيِّدُ الْأَوَّلَ قَوْلُهُ فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ فَإِنْ مِتَّ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جذل خير لَك من أَن تتبع أحدا مِنْهُم وَقَالَ بن بَطَّالٍ فِيهِ حُجَّةٌ لِجَمَاعَةِ الْفُقَهَاءِ فِي وُجُوبِ لُزُومِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ وَتَرْكِ الْخُرُوجِ عَلَى أَئِمَّةِ الْجَوْرِ لِأَنَّهُ وَصَفَ الطَّائِفَةَ الْأَخِيرَةَ بِأَنَّهُمْ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ وَلَمْ يَقُلْ فِيهِمْ تَعْرِفُ وَتُنْكِرُ كَمَا قَالَ فِي الْأَوَّلِينَ وَهُمْ لَا يَكُونُونَ كَذَلِكَ إِلَّا وَهُمْ عَلَى غَيْرِ حَقٍّ وَأَمَرَ مَعَ ذَلِكَ بِلُزُومِ الْجَمَاعَةِ قَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْأَمْرِ وَفِي الْجَمَاعَةِ فَقَالَ قَوْمٌ هُوَ لِلْوُجُوبِ وَالْجَمَاعَةُ السَّوَادُ الْأَعْظَمُ ثُمَّ سَاقَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ عَنْ أَبِي مَسْعُودٍ أَنَّهُ وَصَّى مَنْ سَأَلَهُ لَمَّا قُتِلَ عُثْمَانُ عَلَيْكَ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ لِيَجْمَعَ أُمَّةَ مُحَمَّدٍ عَلَى ضَلَالَةٍ وَقَالَ قَوْمٌ الْمُرَادُ بِالْجَمَاعَةِ الصَّحَابَةُ دُونَ مَنْ بَعْدَهُمْ وَقَالَ قَوْمٌ الْمُرَادُ بِهِمْ أَهْلُ الْعِلْمِ لِأَنَّ اللَّهَ جَعَلَهُمْ حُجَّةً عَلَى الْخَلْقِ وَالنَّاسُ تَبَعٌ لَهُمْ فِي أَمْرِ الدِّينِ قَالَ الطَّبَرِيُّ وَالصَّوَابُ أَنَّ الْمُرَادَ مِنَ الْخَبَرِ لُزُومُ الْجَمَاعَةِ الَّذِينَ فِي طَاعَةِ مَنِ اجْتَمَعُوا عَلَى تَأْمِيرِهِ فَمَنْ نَكَثَ بَيْعَتَهُ خَرَجَ عَنِ الْجَمَاعَةِ قَالَ وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ مَتَى لَمْ يَكُنْ لِلنَّاسِ إِمَامٌ فَافْتَرَقَ النَّاس احزابا فَلَا يتبع أحدا فِي لفرقة وَيَعْتَزِلُ الْجَمِيعَ إِنِ اسْتَطَاعَ ذَلِكَ خَشْيَةً مِنَ الْوُقُوعِ فِي الشَّرِّ وَعَلَى ذَلِكَ يَتَنَزَّلُ مَا جَاءَ فِي سَائِرِ الْأَحَادِيثِ وَبِهِ يُجْمَعُ بَيْنَ مَا ظَاهِرُهُ الِاخْتِلَافُ مِنْهَا وَيُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ عَبْدِ الرَّحْمَن بن قرط الْمُتَقَدّم ذكرهَا قَالَ بن أَبِي جَمْرَةَ فِي الْحَدِيثِ حِكْمَةُ اللَّهِ فِي عِبَادِهِ كَيْفَ أَقَامَ كُلًّا مِنْهُمْ فِيمَا شَاءَ فَحُبِّبَ إِلَى أَكْثَرِ الصَّحَابَةِ السُّؤَالُ عَنْ وُجُوهِ الْخَيْر ليعملوا بِهَا وَيُبَلِّغُوهَا غَيْرَهُمْ وَحُبِّبَ لِحُذَيْفَةَ السُّؤَالُ عَنِ الشَّرِّ لِيَجْتَنِبَهُ وَيَكُونَ سَبَبًا فِي دَفْعِهِ عَمَّنْ أَرَادَ اللَّهُ لَهُ النَّجَاةَ وَفِيهِ سِعَةُ صَدْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَعْرِفَتُهُ بِوُجُوهِ الْحِكَمِ كُلِّهَا حَتَّى كَانَ يُجِيبُ كُلَّ مَنْ سَأَلَهُ بِمَا يُنَاسِبُهُ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ كُلَّ مَنْ حُبِّبَ إِلَيْهِ شَيْءٌ فَإِنَّهُ يَفُوقُ فِيهِ غَيْرَهُ وَمِنْ ثَمَّ كَانَ حُذَيْفَةُ صَاحِبَ السِّرِّ الَّذِي لَا يَعْلَمُهُ غَيْرُهُ حَتَّى خُصَّ بِمَعْرِفَةِ أَسْمَاءِ الْمُنَافِقِينَ وَبِكَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ الْآتِيَةِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ أَنَّ مِنْ أَدَبِ التَّعْلِيمِ أَنْ يَعْلَمَ التِّلْمِيذُ مِنْ أَنْوَاعِ الْعُلُومِ مَا يَرَاهُ مَائِلًا إِلَيْهِ مِنَ الْعُلُومِ الْمُبَاحَةِ فَإِنَّهُ أَجْدَرُ أَنْ يُسْرِعَ إِلَى تَفَهُّمِهِ وَالْقِيَامِ بِهِ وَأَنَّ كُلَّ شَيْءٍ يَهْدِي إِلَى طَرِيقِ الْخَيْرِ يُسَمَّى خَيْرًا وَكَذَا بِالْعَكْسِ وَيُؤْخَذُ مِنْهُ ذَمُّ مَنْ جَعَلَ لِلدِّينِ أَصْلًا خِلَافَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَجَعَلَهُمَا فَرْعًا لِذَلِكَ الْأَصْلِ الَّذِي ابْتَدَعُوهُ وَفِيهِ وُجُوبُ رَدِّ الْبَاطِلِ وَكُلِّ مَا خَالَفَ الْهَدْيَ النَّبَوِيَّ وَلَوْ قَالَهُ مَنْ قَالَهُ مِنْ رَفِيعٍ أَوْ وَضِيعٍ

(قَوْلُهُ بَابُ مَنْ كَرِهَ أَنْ يُكَثِّرَ بِالتَّشْدِيدِ سَوَادَ الْفِتَنِ وَالظُّلْمِ)
أَيْ أَهْلَهُمَا وَالْمُرَادُ بِالسَّوَادِ وَهُوَ بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَتَخْفِيفِ الْوَاوِ الْأَشْخَاصُ وَقَدْ جَاءَ عَن بن مَسْعُود مَرْفُوعا هن كَثَّرَ سَوَادَ قَوْمٍ فَهُوَ مِنْهُمْ وَمَنْ رَضِيَ عمل قوم

الصفحة 37