كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

فَنَاءِ آخَرِينَ وَقَرْنُ الْحَيَّةِ أَنْ يُضْرَبَ الْمَثَلُ فِيمَا لَا يُحْمَدُ مِنَ الْأُمُورِ وَقَالَ غَيْرُهُ كَانَ أَهْلُ الْمَشْرِقِ يَوْمَئِذٍ أَهْلَ كُفْرٍ فَأَخْبَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّ الْفِتْنَةَ تَكُونُ مِنْ تِلْكَ النَّاحِيَةِ فَكَانَ كَمَا أَخْبَرَ وَأَوَّلُ الْفِتَنِ كَانَ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَكَانَ ذَلِكَ سَبَبًا لِلْفُرْقَةِ بَيْنَ الْمُسْلِمِينَ وَذَلِكَ مِمَّا يُحِبُّهُ الشَّيْطَانُ وَيَفْرَحُ بِهِ وَكَذَلِكَ الْبِدَعُ نَشَأَتْ مِنْ تِلْكَ الْجِهَةِ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ نَجْدٌ مِنْ جِهَةِ الْمَشْرِقِ وَمَنْ كَانَ بِالْمَدِينَةِ كَانَ نَجْدُهُ بَادِيَةَ الْعِرَاقِ وَنَوَاحِيهَا وَهِيَ مَشْرِقُ أَهْلِ الْمَدِينَةِ وَأَصْلُ النَّجْدِ مَا ارْتَفَعَ مِنَ الْأَرْضِ وَهُوَ خِلَافُ الْغَوْرِ فَإِنَّهُ مَا انْخَفَضَ مِنْهَا وَتِهَامَةُ كُلُّهَا مِنَ الْغَوْرِ وَمَكَّةُ مِنْ تِهَامَةَ انْتَهَى وَعُرِفَ بِهَذَا وَهَاءَ مَا قَالَهُ الدَّاوُدِيُّ إِنَّ نَجْدًا مِنْ نَاحِيَةِ الْعِرَاقِ فَإِنَّهُ تَوَهَّمَ أَنَّ نَجْدًا مَوْضِعٌ مَخْصُوصٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ كُلُّ شَيْءٍ ارْتَفَعَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَلِيهِ يُسَمَّى الْمُرْتَفِعُ نَجْدًا وَالْمُنْخَفِضُ غَوْرًا الْحَدِيثُ الثَّالِثُ

[7095] قَوْلُهُ حَدَّثَنَا إِسْحَاق الوَاسِطِيّ هُوَ بن شاهين وخَالِد هُوَ بن عَبْدِ اللَّهِ وَبَيَانٌ بِمُوَحَّدَةٍ ثُمَّ تَحْتَانِيَّةٍ خَفِيفَةٍ هُوَ بن عَمْرٍو وَوَبَرَةُ بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْمُوَحَّدَةِ عِنْدَ الْجَمِيعِ وَبِه جزم بن عَبْدِ الْبَرِّ وَقَالَ عِيَاضٌ ضَبَطْنَاهُ فِي مُسْلِمٍ بِسُكُونِ الْمُوَحَّدَةِ قَوْلُهُ أَنْ يُحَدِّثَنَا حَدِيثًا حَسَنًا أَيْ حَسَنَ اللَّفْظِ يَشْتَمِلُ عَلَى ذِكْرِ التَّرْجَمَةِ وَالرُّخْصَةِ فَشَغَلَهُ الرَّجُلُ فَصَدَّهُ عَنْ إِعَادَتِهِ حَتَّى عَدَلَ إِلَى التَّحَدُّثِ عَنِ الْفِتْنَةِ قَوْلُهُ فَقَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ تَقَدَّمَ فِي الْأَنْفَالِ أَنَّ اسْمَهُ حَكِيمٌ أَخْرَجَهُ الْبَيْهَقِيُّ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ بَيَانٍ أَنَّ وَبَرَةَ حَدَّثَهُ فَذَكَرَهُ وَفِيهِ فَمَرَرْنَا بِرَجُلٍ يُقَالُ لَهُ حَكِيمٌ قَوْلُهُ يَا أَبَا عَبْدِ الرَّحْمَنِ هِيَ كُنْيَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَوْلُهُ حَدِّثْنَا عَنِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَاللَّهُ يَقُولُ يُرِيدُ أَنْ يَحْتَجَّ بِالْآيَةِ عَلَى مَشْرُوعِيَّةِ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَأَنَّ فِيهَا الرَّدَّ عَلَى مَنْ تَرَكَ ذَلِكَ كَابْنِ عُمَرَ وَقَوْلُهُ ثَكِلَتْكَ أُمُّكُ ظَاهِرُهُ الدُّعَاءُ وَقَدْ يَرِدُ مَوْرِدَ الزَّجْرِ كَمَا هُنَا وَحَاصِلُ جَوَابِ بن عُمَرَ لَهُ أَنَّ الضَّمِيرَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَقَاتِلُوهُمْ لِلْكُفَّارِ فَأَمَرَ الْمُؤْمِنِينَ بِقِتَالِ الْكَافِرِينَ حَتَّى لَا يَبْقَى أَحَدٌ يُفْتَنُ عَنْ دِينِ الْإِسْلَامِ وَيَرْتَدُّ إِلَى الْكُفْرِ وَوَقَعَ نَحْوُ هَذَا السُّؤَالِ مِنْ نَافِعِ بْنِ الْأَزْرَقِ وَجَمَاعَةٍ لِعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْن فأجابهم بِنَحْوِ جَوَاب بن عمر أخرجه بن مَاجَهْ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْأَنْفَالِ مِنْ رِوَايَةِ زُهَيْرِ بْنِ مُعَاوِيَةَ عَنْ بَيَانٍ بِزِيَادَةِ فَقَالَ بَدَلَ قَوْلِهِ وَكَانَ الدُّخُولُ فِي دِينِهِمْ فِتْنَةٌ فَكَانَ الرَّجُلُ يُفْتَنُ عَنْ دِينِهِ إِمَّا يَقْتُلُونَهُ وَإِمَّا يُوثِقُونَهُ حَتَّى كَثُرَ الْإِسْلَامُ فَلَمْ نَكُنْ فِتْنَةٌ أَيْ لَمْ يَبْقَ فِتْنَةٌ أَيْ مِنْ أَحَدٍ مِنَ الْكُفَّارِ لِأَحَدٍ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ثُمَّ ذكر سُؤَاله عَن عَليّ وَعُثْمَان وَجَوَاب بن عُمَرَ وَقَوْلُهُ هُنَا وَلَيْسَ كَقِتَالِكُمْ عَلَى الْمُلْكِ أَيْ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ يُشِيرُ إِلَى مَا وَقَعَ بَيْنَ مَرْوَانَ ثُمَّ عَبْدِ الْمَلِكِ ابْنِهِ وَبَين بن الزبير وَمَا أشبه ذَلِك وَكَانَ رَأْي بن عُمَرَ تَرْكَ الْقِتَالِ فِي الْفِتْنَةِ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ مُحِقَّةٌ وَالْأُخْرَى مُبْطِلَةٌ وَقِيلَ الْفِتْنَةُ مُخْتَصَّةٌ بِمَا إِذَا وَقَعَ الْقِتَالُ بِسَبَبِ التَّغَالُبِ فِي طَلَبِ الْمُلْكِ وَأَمَّا إِذَا عُلِمَتِ الْبَاغِيَةُ فَلَا تُسَمَّى فِتْنَةً وَتَجِبُ مُقَاتَلَتُهَا حَتَّى ترجع إِلَى الطَّاعَة وَهَذَا قَول الْجُمْهُور

الصفحة 47