كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

مِنْ شَرِيكٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ وَأَنَّهُ حِينَئِذٍ فُرِضَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ قَالَ وَهَذَا لَا خِلَافَ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ إِنَّمَا كَانَ قَبْلَ الْهِجْرَةِ بِسَنَةٍ وَبَعْدَ أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ بِنَحْوِ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةٍ ثُمَّ قَوْلُهُ إِنَّ الْجَبَّارَ دَنَا فَتَدَلَّى حَتَّى كَانَ مِنْهُ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى وَعَائِشَةُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا تَقُولُ إِنَّ الَّذِي دنى فَتَدَلَّى جِبْرِيلُ انْتَهَى وَقَدْ تَقَدَّمَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ بْنُ طَاهِرٍ تَعْلِيلُ الحَدِيث بتفرد شريك وَدَعوى بن حَزْمٍ أَنَّ الْآفَةَ مِنْهُ شَيْءٍ لَمْ يُسْبَقْ إِلَيْهِ فَإِنَّ شَرِيكًا قَبِلَهُ أَئِمَّةُ الْجَرْحِ وَالتَّعْدِيلِ وَوَثَّقُوهُ وَرَوَوْا عَنْهُ وَأَدْخَلُوا حَدِيثَهُ فِي تَصَانِيفِهِمْ وَاحْتَجُّوا بِهِ وَرَوَى عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ الدَّوْرَقِيُّ وَعُثْمَانُ الدَّارِمِيُّ وَعَبَّاسٌ الدَّوْرِيُّ عَنْ يَحْيَى بن معِين لَا بَأْس بِهِ وَقَالَ بن عَدِيٍّ مَشْهُورٌ مِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ حَدَّثَ عَنْهُ مَالِكٌ وَغَيْرُهُ مِنَ الثِّقَاتِ وَحَدِيثُهُ إِذَا رَوَى عَنْهُ ثِقَةٌ لَا بَأْسَ بِهِ إِلَّا أَنْ يروي عَنهُ ضَعِيف قَالَ بن طَاهِرٍ وَحَدِيثُهُ هَذَا رَوَاهُ عَنْهُ ثِقَةٌ وَهُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ بِلَالٍ قَالَ وَعَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَفَرُّدِهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ لَا يَقْتَضِي طَرْحَ حَدِيثِهِ فَوَهْمُ الثِّقَةِ فِي مَوْضِعٍ مِنَ الْحَدِيثِ لَا يُسْقِطُ جَمِيعَ الْحَدِيثِ وَلَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْوَهْمُ لَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ مَحْذُورٍ وَلَوْ تُرِكَ حَدِيثُ مَنْ وَهَمَ فِي تَارِيخٍ لَتُرِكَ حَدِيثُ جَمَاعَةٍ مِنْ أَئِمَّةِ الْمُسْلِمِينَ وَلَعَلَّهُ أَرَادَ أَنْ يَقُولَ بَعْدَ أَنْ أُوحِيَ إِلَيْهِ فَقَالَ قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ انْتَهَى وَقَدْ سَبَقَ إِلَى التَّنْبِيهِ عَلَى مَا فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ مِنَ الْمُخَالَفَةِ مُسْلِمٌ فِي صَحِيحِهِ فَإِنَّهُ قَالَ بَعْدَ أَنْ سَاقَ سَنَدَهُ وَبَعْضَ الْمَتْنِ ثُمَّ قَالَ فَقَدَّمَ وَأَخَّرَ وَزَادَ وَنَقَصَ وَسَبَقَ بن حَزْمٍ أَيْضًا إِلَى الْكَلَامِ فِي شَرِيكٍ أَبُو سُلَيْمَانَ الْخَطَّابِيُّ كَمَا قَدَّمْتُهُ وَقَالَ فِيهِ النَّسَائِيُّ وَأَبُو مُحَمَّدِ بْنُ الْجَارُودِ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَكَانَ يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْقَطَّانُ لَا يُحَدِّثُ عَنْهُ نَعَمْ قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ وَأَبُو دَاوُدَ ثِقَةٌ فَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَإِذَا تَفَرَّدَ عُدَّ مَا يَنْفَرِدُ بِهِ شَاذًّا وَكَذَا مُنْكَرًا عَلَى رَأْيِ مَنْ يَقُولُ الْمُنْكَرُ وَالشَّاذُّ شَيْءٌ وَاحِدٌ وَالْأَوْلَى الْتِزَامُ وُرُودِ الْمَوَاضِعِ الَّتِي خَالَفَ فِيهَا غَيْرَهُ وَالْجَوَابُ عَنْهَا إِمَّا بِدَفْعِ تَفَرُّدِهِ وَإِمَّا بِتَأْوِيلِهِ عَلَى وِفَاقِ الْجَمَاعَةِ وَمَجْمُوعُ مَا خَالَفَتْ فِيهِ رِوَايَةُ شَرِيكٍ غَيْرَهُ مِنَ الْمَشْهُورِينَ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ بَلْ تَزِيدُ عَلَى ذَلِكَ الْأَوَّلُ أَمْكِنَةُ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ فِي السَّمَاوَاتِ وَقَدْ أَفْصَحَ بِأَنَّهُ لَمْ يَضْبِطْ مَنَازِلَهُمْ وَقَدْ وَافَقَهُ الزُّهْرِيُّ فِي بَعْضِ مَا ذَكَرَ كَمَا سَبَقَ فِي أول كتاب الصَّلَاة الثَّانِي كَوْنُ الْمِعْرَاجِ قَبْلَ الْبَعْثَةِ وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْ ذَلِكَ وَأَجَابَ بَعْضُهُمْ عَنْ قَوْلِهِ قَبْلَ أَنْ يُوحَى بِأَنَّ الْقَبْلِيَّةَ هُنَا فِي أَمْرٍ مَخْصُوصٍ وَلَيْسَتْ مُطْلَقَةً وَاحْتَمَلَ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى قَبْلَ أَنْ يُوحَى إِلَيْهِ فِي شَأْنِ الْإِسْرَاءِ وَالْمِعْرَاجِ مَثَلًا أَيْ أَنَّ ذَلِكَ وَقَعَ بَغْتَةً قَبْلَ أَنْ يُنْذَرَ بِهِ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ فِي حَدِيثِ الزُّهْرِيِّ فُرِجَ سَقْفُ بَيْتِي الثَّالِثُ كَوْنُهُ مَنَامًا وَقَدْ سَبَقَ الْجَوَابُ عَنْهُ أَيْضًا بِمَا فِيهِ غُنْيَةٌ الرَّابِعُ مُخَالَفَتُهُ فِي مَحَلِّ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى وَأَنَّهَا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ بِمَا لَا يَعْلَمُهُ إِلَّا اللَّهُ وَالْمَشْهُورُ أَنَّهَا فِي السَّابِعَةِ أَوِ السَّادِسَةِ كَمَا تَقَدَّمَ الْخَامِسُ مُخَالَفَتُهُ فِي النَّهَرَيْنِ وَهُمَا النِّيلُ وَالْفُرَاتُ وَأَنَّ عُنْصُرَهُمَا فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْمَشْهُورُ فِي غَيْرِ رِوَايَتِهِ أَنَّهُمَا فِي السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَأَنَّهُمَا مِنْ تَحْتِ سِدْرَةِ الْمُنْتَهَى السَّادِسُ شَقُّ الصَّدْرِ عِنْدَ الْإِسْرَاءِ وَقَدْ وَافَقَتْهُ رِوَايَةُ غَيْرِهِ كَمَا بَيَّنْتُ ذَلِكَ فِي شَرْحِ رِوَايَةِ قَتَادَةَ عَنْ أَنَسٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ وَقَدْ أَشَرْتُ إِلَيْهِ أَيْضًا هُنَا السَّابِعُ ذِكْرُ نَهْرِ الْكَوْثَرِ فِي السَّمَاءِ الدُّنْيَا وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ فِي الْجَنَّةِ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ الثَّامِنُ نِسْبَةُ الدُّنُوِّ وَالتَّدَلِّي إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ جِبْرِيلُ كَمَا تَقَدَّمَ التَّنْبِيهُ عَلَيْهِ التَّاسِعُ تَصْرِيحُهُ بِأَنَّ امْتِنَاعَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى سُؤَالِ رَبِّهِ التَّخْفِيفَ كَانَ عِنْدَ الْخَامِسَةِ وَمُقْتَضَى رِوَايَةِ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ كَانَ بَعْدَ التَّاسِعَةِ الْعَاشِرُ قَوْلُهُ فَعَلَا بِهِ الْجَبَّارُ فَقَالَ وَهُوَ مَكَانَهُ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ الْحَادِي عَشَرَ رُجُوعُهُ بَعْدَ الْخَمْسِ وَالْمَشْهُورُ فِي الْأَحَادِيثِ أَنَّ مُوسَى عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَمَرَهُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ أَنِ انْتَهَى التَّخْفِيفُ إِلَى الْخَمْسِ فَامْتَنَعَ كَمَا

الصفحة 485