كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

سَأُبَيِّنُهُ الثَّانِي عَشَرَ زِيَادَةُ ذِكْرِ التَّوْرِ فِي الطَّسْتِ وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ فَهَذِهِ أَكْثَرُ مِنْ عَشَرَةِ مَوَاضِعَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ أَرَهَا مَجْمُوعَةً فِي كَلَامِ أَحَدٍ مِمَّنْ تَقَدَّمَ وَقَدْ بَيَّنْتُ فِي كُلِّ وَاحِدٍ إِشْكَالَ مَنِ اسْتَشْكَلَهُ وَالْجَوَابَ عَنْهُ إِنْ أَمْكَنَ وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ وَقد جزم بن الْقَيِّمِ فِي الْهَدْيِ بِأَنَّ فِي رِوَايَةِ شَرِيكٍ عَشَرَةُ أَوْهَامٍ لَكِنْ عَدَّ مُخَالَفَتَهُ لِمَحَالِّ الْأَنْبِيَاءِ أَرْبَعَةً مِنْهَا وَأَنَا جَعَلْتُهَا وَاحِدَةً فَعَلَى طَرِيقَتِهِ تَزِيدُ الْعِدَّةُ ثَلَاثَةً وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ قَوْلُهُ مَاذَا عَهِدَ إِلَيْكَ رَبُّكَ أَيْ أَمَرَكَ أَوْ أَوْصَاكَ قَالَ عَهِدَ إِلَيَّ خَمْسِينَ صَلَاةً فِيهِ حَذْفٌ تَقْدِيرُهُ عَهِدَ إِلَيَّ أَنْ أُصَلِّيَ وَآمُرَ أُمَّتِي أَنْ يُصَلُّوا خَمْسِينَ صَلَاةً وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ اخْتِلَافِ الْأَلْفَاظِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ فِي أَوَّلِ كِتَابِ الصَّلَاةِ قَوْلُهُ فَالْتَفَتَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ كَأَنَّهُ يَسْتَشِيرُهُ فِي ذَلِكَ فَأَشَارَ إِلَيْهِ جِبْرِيلُ أَيْ نَعَمْ فِي رِوَايَةِ أَنْ نَعَمْ وَأَنْ بِالْفَتْحِ وَالتَّخْفِيفِ مُفَسِّرَةٌ فَهِيَ فِي الْمَعْنَى هُنَا مِثْلُ أَيْ وَهِيَ بِالتَّخْفِيفِ قَوْلُهُ إِنْ شِئْتَ يُقَوِّي مَا ذَكَرْتُهُ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَهِمَ أَنَّ الْأَمْرَ بِالْخَمْسِينَ لَمْ يَكُنْ عَلَى سَبِيلِ الْحَتْمِ قَوْلُهُ فَعَلَا بِهِ إِلَى الْجَبَّارِ تَقَدَّمَ مَا فِيهِ عِنْدَ شَرْحِ قَوْلِهِ فَتَدَلَّى وَقَوْلُهُ فَقَالَ وَهُوَ مَكَانُهُ تَقَدَّمَ أَيْضًا بَحْثُ الْخَطَّابِيِّ فِيهِ وَجَوَابُهُ قَوْلُهُ وَاللَّهُ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْمِي عَلَى أَدْنَى مِنْ هَذِهِ أَيِ الْخَمْسُ وَفِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنْ هَذَا أَيِ الْقَدْرُ فَضَعُفُوا فَتَرَكُوهُ أَمَّا قَوْلُهُ رَاوَدْتُ فَهُوَ مِنَ الرَّوْدِ مِنْ رَادَ يَرُودُ إِذَا طَلَبَ الْمَرْعَى وَهُوَ الرَّائِدُ ثُمَّ اشْتُهِرَ فِيمَا يُرِيدُ الرِّجَالُ مِنَ النِّسَاءِ وَاسْتُعْمِلَ فِي كُلِّ مَطْلُوبٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ أَدْنَى فَالْمُرَادُ بِهِ أَقَلُّ وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَةِ يَزِيدَ بْنِ أَبِي مَالِكٍ عَنْ أنس فِي تَفْسِير بن مَرْدَوَيْهِ تَعْيِينُ ذَلِكَ وَلَفْظُهُ فَرَضَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ صَلَاتَانِ فَمَا قَامُوا بِهِمَا قَوْلُهُ فَأُمَّتُكَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ وَأُمَّتُكَ أَضْعَفُ أَجْسَادًا أَيْ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ أَضْعَفُ أَجْسَادًا وَقُلُوبًا وَأَبْدَانًا الْأَجْسَامُ وَالْأَجْسَادُ سَوَاءٌ وَالْجِسْمُ وَالْجَسَدُ جَمِيعُ الشَّخْصِ وَالْأَجْسَامُ أَعَمُّ مِنَ الْأَبْدَانِ لِأَنَّ الْبَدَنَ مِنَ الْجَسَدِ مَا سِوَى الرَّأْسِ وَالْأَطْرَافِ وَقِيلَ الْبَدَنُ أَعَالِي الْجَسَدِ دُونَ أَسَافِلِهِ قَوْلُهُ كُلَّ ذَلِكَ يَلْتَفِتِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جِبْرِيلَ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ يَتَلَفَّتُ بِتَقْدِيمِ الْمُثَنَّاةِ وَتَشْدِيدِ الْفَاءِ قَوْلُهُ فَرَفَعَهُ فِي رِوَايَةِ الْمُسْتَمْلِي يَرْفَعُهُ وَالْأَوَّلُ أَوْلَى قَوْلُهُ عِنْدَ الْخَامِسَةِ هَذَا التَّنْصِيصُ عَلَى الْخَامِسَةِ عَلَى أَنَّهَا الْأَخِيرَةُ يُخَالِفُ رِوَايَةَ ثَابِتٍ عَنْ أَنَسٍ أَنَّهُ وَضَعَ عَنْهُ كُلَّ مَرَّةٍ خَمْسًا وَأَنَّ الْمُرَاجَعَةَ كَانَتْ تِسْعَ مَرَّاتٍ وَقَدْ تَقَدَّمَ بَيَانُ الْحِكْمَةِ فِي ذَلِكَ وَرُجُوعِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ تَقْرِيرِ الْخَمْسِ لِطَلَبِ التَّخْفِيفِ مِمَّا وَقَعَ مِنْ تَفَرُّدَاتِ شَرِيكٍ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ وَالْمَحْفُوظُ مَا تَقَدَّمَ أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمُوسَى فِي الْأَخِيرَةِ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي وَهَذَا أَصَرْحُ بِأَنَّهُ رَاجِعٌ فِي الْأَخِيرَةِ وَأَنَّ الْجَبَّارَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى قَالَ لَهُ يَا مُحَمَّدُ قَالَ لَبَّيْكَ وَسَعْدَيْكَ قَالَ إِنَّهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ الدَّاوُدِيُّ فِيمَا نَقله بن التِّينِ فَقَالَ الرُّجُوعُ الْأَخِيرُ لَيْسَ بِثَابِتٍ وَالَّذِي فِي الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَالَ اسْتَحْيَيْتُ مِنْ رَبِّي فَنُودِيَ أَمْضَيْتُ فَرِيضَتِي وَخَفَّفْتُ عَنْ عِبَادِي وَقَوْلُهُ هُنَا فَقَالَ مُوسَى ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ قَالَ الدَّاوُدِيُّ كَذَا وَقَعَ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ أَنَّ مُوسَى قَالَ لَهُ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ بَعْدَ أَنْ قَالَ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَلَا يَثْبُتُ لِتَوَاطُئِ الرِّوَايَاتِ عَلَى خِلَافِهِ وَمَا كَانَ مُوسَى لِيَأْمُرَهُ بِالرُّجُوعِ بَعْدَ أَنْ يَقُولَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ ذَلِكَ انْتَهَى وَأَغْفَلَ الْكِرْمَانِيُّ رِوَايَةَ ثَابِتٍ فَقَالَ إِذَا خُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ عَشَرَةٌ كَانَتِ الْأَخِيرَةُ سَادِسَةً فَيُمْكِنُ أَنْ يُقَالَ لَيْسَ فِيهِ حَصْرٌ لِجَوَازِ أَنْ يُخَفِّفَ بِمَرَّةٍ وَاحِدَةٍ خَمْسَ عَشْرَةَ أَوْ أَقَلَّ أَوْ أَكْثَرَ قَوْلُهُ لَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ تَمَسَّكَ مَنْ أَنْكَرَ النَّسْخَ وَرُدَّ بِأَنَّ النَّسْخَ بَيَانُ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ فَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ تَبْدِيلُ الْقَوْلِ قَوْلُهُ فِي الْأَخِيرَةِ قَدْ وَاللَّهِ رَاوَدْتُ إِلَخْ رَاوَدْتُ يَتَعَلَّقُ بِقَدْ وَالْقَسَمُ مُقْحَمٌ بَيْنَهُمَا لِإِرَادَةِ التَّأْكِيدِ فَقَدْ تَقَدَّمَ بِلَفْظِ وَاللَّهِ لَقَدْ رَاوَدْتُ بَنِي إِسْرَائِيلَ قَوْلُهُ قَالَ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ ظَاهِرُ السِّيَاقِ أَنَّ مُوسَى

الصفحة 486