كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

هُوَ الَّذِي قَالَ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ ذَكَرَهُ عَقِبَ قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ وَالله استحييت من رَبِّي مِمَّا اخْتلف إِلَيْهِ قَالَ فَاهْبِطْ وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلِ الَّذِي قَالَ لَهُ فَاهْبِطْ بِاسْمِ اللَّهِ هُوَ جِبْرِيلُ وَبِذَلِكَ جَزَمَ الدَّاوُدِيُّ قَوْلُهُ فَاسْتَيْقَظَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ اسْتِيقَاظًا مِنْ نَوْمَةٍ نَامَهَا بَعْدَ الْإِسْرَاءِ لِأَنَّ إِسْرَاءَهُ لَمْ يَكُنْ طُولَ لَيْلَتِهِ وَإِنَّمَا كَانَ فِي بَعْضِهَا وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى أَفَقْتُ مِمَّا كُنْتُ فِيهِ مِمَّا خَامَرَ بَاطِنَهُ مِنْ مُشَاهَدَةِ الْمَلَأِ الْأَعْلَى لِقَوْلِهِ تَعَالَى لَقَدْ رَأَى مِنْ آيَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى فَلَمْ يَرْجِعْ إِلَى حَالِ بَشَرِيَّتِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَّا وَهُوَ بِالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي أَوَّلِهِ بَيْنَا أَنَا نَائِمٌ فَمُرَادُهُ فِي أَوَّلِ الْقِصَّةِ وَذَلِكَ أَنَّهُ كَانَ قَدِ ابْتَدَأَ نَوْمَهُ فَأَتَاهُ الْمَلَكُ فَأَيْقَظَهُ وَفِي قَوْلِهِ فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى بَيْنَا أَنَا بَيْنَ النَّائِمِ وَالْيَقْظَانِ أَتَانِي الْمَلَكُ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّهُ لَمْ يَكُنِ اسْتَحْكَمَ فِي نَوْمِهِ انْتَهَى وَهَذَا كُلُّهُ يَنْبَنِي عَلَى تَوَحُّدِ الْقِصَّةِ وَإِلَّا فَمَتَى حُمِلَتْ عَلَى التَّعَدُّدِ بِأَنْ كَانَ الْمِعْرَاجُ مَرَّةً فِي الْمَنَامِ وَأُخْرَى فِي الْيَقَظَةِ فَلَا يَحْتَاجُ لِذَلِكَ تَنْبِيهٌ قِيلَ اخْتَصَّ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ بِهَذَا دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ لَقِيَهُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْإِسْرَاءِ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ تَلَقَّاهُ عِنْدَ الْهُبُوطِ وَلِأَنَّ أُمَّتَهُ أَكْثَرُ مِنْ أُمَّةِ غَيْرِهِ وَلِأَنَّ كِتَابَهُ أَكْبَرُ الْكُتُبِ الْمُنَزَّلَةِ قَبْلَ الْقُرْآنِ تَشْرِيعًا وَأَحْكَامًا أَوْ لِأَنَّ أُمَّةَ مُوسَى كَانُوا كُلِّفُوا مِنَ الصَّلَاةِ مَا ثَقُلَ عَلَيْهِمْ فَخَافَ مُوسَى عَلَى أُمَّةِ مُحَمَّدٍ مِثْلَ ذَلِكَ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَة بقوله فَانِي بلوت بني إِسْرَائِيل قَالَه الْقُرْطُبِيُّ وَأَمَّا قَوْلُ مَنْ قَالَ إِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ لَاقَاهُ بَعْدَ الْهُبُوطِ فَلَيْسَ بِصَحِيحٍ لِأَنَّ حَدِيثَ مَالِكِ بْنِ صَعْصَعَةَ أَقْوَى مِنْ هَذَا وَفِيهِ أَنَّهُ لَقِيَهُ فِي السَّمَاءِ السَّادِسَةِ انْتَهَى وَإِذَا جَمَعْنَا بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ لَقِيَهُ فِي الصُّعُودِ فِي السَّادِسَةِ وَصَعِدَ مُوسَى إِلَى السَّابِعَةِ فَلَقِيَهُ فِيهَا بَعْدَ الْهُبُوطِ ارْتَفَعَ الْإِشْكَالُ وَبَطَلَ الرَّدُّ الْمَذْكُور وَالله أعلم

الصفحة 487