كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

نبأ نوح الخ قَالَ بن بَطَّالٍ أَشَارَ إِلَى أَنَّ اللَّهَ ذَكَرَ نُوحًا بِمَا بَلَّغَ بِهِ مَنْ أَمَرَهُ وَذَكَّرَ بِآيَاتِ رَبِّهِ وَكَذَلِكَ فَرَضَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ تَبْلِيغَ كِتَابِهِ وَشَرِيعَتِهِ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ الْمَقْصُودُ مِنْ ذِكْرِ هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَذْكُورٌ بِأَنَّهُ أُمِرَ بِالتِّلَاوَةِ عَلَى الْأُمَّةِ وَالتَّبْلِيغِ إِلَيْهِمْ أَنَّ نُوحًا كَانَ يُذَكِّرُهُمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَأَحْكَامِهِ قَوْلُهُ غُمَّةً هَمٌّ وَضِيقٌ هُوَ تَفْسِيرُ قَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ نُوحٍ ثُمَّ لَا يَكُنْ أَمْرُكُمْ عَلَيْكُمْ غُمَّةً وَهُوَ بَقِيَّةُ الْآيَةِ الْمَذْكُورَةِ أَوَّلًا وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى وَاتْلُ عَلَيْهِم نبأ نوح وَحكى بن التِّينِ أَنَّ مَعْنَى غُمَّةً شَيْءٌ لَيْسَ ظَاهِرًا يُقَالُ الْقَوْمُ فِي غُمَّةٍ إِذَا غَطَّى عَلَيْهِمْ أَمْرُهُمْ وَالْتَبَسَ وَمِنْهُ غُمَّ الْهِلَالُ إِذَا غَشِيَهُ شَيْءٌ فَغَطَّاهُ وَالْغَمُّ مَا يُغْشِي الْقَلْبَ مِنَ الْكَرْبِ قَوْلُهُ قَالَ مُجَاهِدٌ اقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ افْرُقِ اقْضِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيره عَن وَرْقَاء بن عمر عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى ثمَّ اقضوا الي وَلَا تنْظرُون قَالَ اقْضُوا إِلَيَّ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ وَحَكَى بن التِّينِ اقْضُوا إِلَيَّ افْعَلُوا مَا بَدَا لَكُمْ وَقَالَ غَيْرُهُ أَظْهِرُوا الْأَمْرَ وَمَيِّزُوهُ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى شُبْهَةٌ ثُمَّ اقْضُوا بِمَا شِئْتُمْ مِنْ قَتْلٍ أَوْ غَيْرِهِ مِنْ غَيْرِ إِمْهَالٍ وَأَمَّا قَوْلُهُ افْرُقِ اقْضِ فَمَعْنَاهُ أَظْهِرِ الْأَمْرَ وَافْصِلْهُ بِحَيْثُ لَا تَبْقَى شُبْهَةٌ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ يُقَالُ افْرُقِ اقْضِ فَلَا يَكُونُ مِنْ كَلَامِ مُجَاهِدٍ وَيُؤَيِّدُهُ إِعَادَةُ قَوْلِهِ بَعْدَهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ وَإِنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْرِكِينَ استجارك فَأَجره حَتَّى يسمع كَلَام الله إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ أَيْ يَأْتِي النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَيَسْتَمِعُ مَا يَقُولُهُ وَمَا أُنْزِلَ عَلَيْهِ فَهُوَ آمِنٌ حَتَّى يَأْتِيَهُ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ حِينَ يَأْتِيهِ فَيَسْمَعُ كَلَامَ اللَّهِ حَتَّى يَبْلُغَ مَأْمَنَهُ حَيْثُ جَاءَ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ إِلَى مُجَاهِدٍ فِي هَذِهِ الْآيَةِ وَإِنْ أحد من الْمُشْركين استجارك إِنْسَانٌ يَأْتِيهِ فَيَسْمَعُ مَا يَقُولُ وَمَا يَنْزِلُ عَلَيْهِ فَهُوَ آمن حَتَّى يَأْتِيهِ فَيسمع كَلَام الله وَحَتَّى يبلغهُ مأمنه قَالَ بن بَطَّالٍ ذَكَرَ هَذِهِ الْآيَةَ مِنْ أَجْلِ أَمْرِ اللَّهِ تَعَالَى نَبِيَّهُ بِإِجَارَةِ الَّذِي يَسْمَعُ الذِّكْرَ حَتَّى يَسْمَعَهُ فَإِنْ آمَنَ فَذَاكَ وَإِلَّا فَيَبْلُغُ مَأْمَنَهُ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيهِ مَا شَاءَ قَوْلُهُ وَالنَّبَأُ الْعَظِيمُ الْقُرْآنُ هُوَ تَفْسِيرُ مُجَاهِدٍ وَصله الْفرْيَابِيّ بالسند الْمَذْكُور إِلَيْهِ قَالَ بن بَطَّالٍ سُمِّيَ نَبَأً لِأَنَّهُ يُنَبَّأُ بِهِ وَالْمَعْنَى بِهِ إِذَا سَأَلُوا عَنِ النَّبَأِ الْعَظِيمِ فَأَجِبْهُمْ وَبَلِّغِ الْقُرْآنَ إِلَيْهِمْ قَالَ الرَّاغِبُ النَّبَأُ الْخَبَرُ ذُو الْفَائِدَةِ الْجَلِيلَةِ يَحْصُلُ بِهِ عِلْمٌ أَوْ ظَنٌّ غَالِبٌ وَحَقُّ الْخَبَرِ الَّذِي يُسَمَّى نَبَأً أَنْ يَتَعَرَّى عَنِ الْكَذِبِ قَوْلُهُ صَوَابًا حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمِلَ بِهِ قَالَ بن بَطَّالٍ يُرِيدُ قَوْلُهُ تَعَالَى إِلَّا مَنْ أَذِنَ لَهُ الرَّحْمَن وَقَالَ صَوَابا أَيْ حَقًّا فِي الدُّنْيَا وَعَمَلٌ بِهِ فَهُوَ الَّذِي يُؤْذَنُ لَهُ فِي الْكَلَامِ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ بِالشَّفَاعَةِ لِمَنْ أَذِنَ لَهُ قُلْتُ وَهَذَا وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ أَيْضًا عَنْ مُجَاهِدٍ بِالسَّنَدِ الْمَذْكُورِ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ عَادَةُ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ إِذَا ذَكَرَ آيَةً مُنَاسِبَةً لِلتَّرْجَمَةِ يَذْكُرُ مَعَهَا بَعْضَ مَا يَتَعَلَّقُ بِتِلْكَ السُّورَةِ الَّتِي فِيهَا تِلْكَ الْآيَةُ مِمَّا ثَبَتَ عِنْدَهُ فِي تَفْسِيرٍ وَنَحْوِهِ عَلَى سَبِيلِ التَّبَعِيَّةِ انْتَهَى وَكَأَنَّهُ لَمْ يَظْهَرْ لَهُ وَجْهُ مُنَاسَبَةِ هَذِهِ الْآيَةِ الْأَخِيرَةِ بِالتَّرْجَمَةِ وَالَّذِي يَظْهَرُ فِي مُنَاسَبَتِهَا أَنَّ تَفْسِيرَ قَوْلِهِ صَوَابًا بِقَوْلِ الْحَقِّ وَالْعَمَلِ بِهِ فِي الدُّنْيَا يَشْمَلُ ذِكْرَ اللَّهِ بِاللِّسَانِ وَالْقَلْبِ مُجْتَمِعَيْنِ وَمُنْفَرِدَيْنِ فَنَاسَبَ قَوْلُهُ ذِكْرَ الْعِبَادِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ تَنْبِيهٌ لَمْ يَذْكُرْ فِي هَذَا الْبَابِ حَدِيثًا مَرْفُوعًا وَلَعَلَّهُ بيض لَهُ فأدمجه النُّسَّاخُ كَغَيْرِهِ وَاللَّائِقُ بِهِ الْحَدِيثُ الْقُدْسِيُّ مَنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي وَقَدْ تَقَدَّمَ قَرِيبًا فَإِنَّهُ يَصِحُّ فِي قَوْلِهِ مَنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ أَيْ مِنَ النَّاسِ بِالدُّعَاءِ وَالتَّضَرُّعِ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ أَيْ مِنَ الْمَلَائِكَةِ بِالرَّحْمَةِ وَالْمَغْفِرَةِ ثُمَّ وَجَدْتُهُ فِي كِتَابِ خَلْقِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ قَدْ أَوْرَدَ حَدِيثَ أَبِي هُرَيْرَةَ الَّذِي فِيهِ اقرؤوا إِنْ شِئْتُمْ يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَيَقُولُ اللَّهُ حَمِدَنِي عَبْدِي إِلَى أَنْ قَالَ يَقُولُ الْعَبْدُ إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ يَقُولُ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ الْحَدِيثَ قَالَ الْبُخَارِيُّ فِيهِ بَيَانُ أَنَّ سُؤَالَ الْعَبْدِ غَيْرُ مَا يُعْطِيهِ اللَّهُ وَأَنَّ قَوْلَ الْعَبْدِ غَيْرُ كَلَامِ اللَّهِ وَهَذَا مِنَ الْعَبْدِ الدُّعَاءُ وَالتَّضَرُّعُ وَمِنَ اللَّهِ الْأَمْرُ وَالْإِجَابَةُ انْتَهَى وَحَدِيثُ أَبِي هُرَيْرَةَ أَخْرَجَهُ مَالِكٌ وَمُسْلِمٌ وَأَصْحَابُ السُّنَنِ وَلَيْسَ هُوَ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ فِي صَحِيحِهِ فَاكْتَفَى فِيهِ بِالْإِشَارَةِ إِلَيْهِ وَفِي كِتَابِهِ مِنْ ذَلِكَ نَظَائِرُ

الصفحة 490