كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى فَلَا تَجْعَلُوا لله أندادا)
وَقَوْلُهُ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ثُمَّ ذَكَرَ آيَاتٍ وَآثَارًا إِلَى ذِكْرِ حَدِيثِ بن مَسْعُودٍ سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَيُّ الذَّنْبِ أَعْظَمُ قَالَ أَنْ تَجْعَلَ لِلَّهِ نِدًّا وَهُوَ خَلَقَكَ النِّدُّ بِكَسْرِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الدَّالِ يُقَالُ لَهُ النَّدِيدُ أَيْضًا وَهُوَ نَظِيرُ الشَّيْءِ الَّذِي يُعَارِضُهُ فِي أُمُورِهِ وَقِيلَ نِدُّ الشَّيْءِ مَنْ يُشَارِكُهُ فِي جَوْهَرِهِ وَهُوَ ضَرْبٌ مِنَ الْمِثْلِ لَكِنَّ الْمِثْلَ يُقَالُ فِي أَيِّ مُشَارَكَةٍ كَانَتْ فَكُلُّ نِدٍّ مِثْلٌ مِنْ غَيْرِ عَكْسٍ قَالَهُ الرَّاغِبُ قَالَ وَالضِّدُّ أَحَدُ الْمُتَقَابِلَيْنِ وَهُمَا الشَّيْئَانِ الْمُخْتَلِفَانِ اللَّذَانِ لَا يَجْتَمِعَانِ فِي شَيْءٍ وَاحِدٍ فَفَارَقَ النِّدَّ فِي الْمُشَارَكَةِ وَوَافَقَهُ فِي الْمُعَارضَة قَالَ بن بَطَّالٍ غَرَضُ الْبُخَارِيِّ فِي هَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ نِسْبَة الْأَفْعَال كلهَا لِلَّهِ تَعَالَى سَوَاءٌ كَانَتْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ خَيْرًا أَوْ شَرًّا فَهِيَ لِلَّهِ تَعَالَى خَلْقٌ وَلِلْعِبَادِ كَسْبٌ وَلَا يُنْسَبُ شَيْءٌ مِنَ الْخَلْقِ لِغَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ شَرِيكًا وَنِدًّا وَمُسَاوِيًا لَهُ فِي نِسْبَةِ الْفِعْلِ إِلَيْهِ وَقَدْ نَبَّهَ اللَّهُ تَعَالَى عِبَادَهُ عَلَى ذَلِكَ بِالْآيَاتِ الْمَذْكُورَةِ وَغَيْرِهَا الْمُصَرِّحَةِ بِنَفْيِ الْأَنْدَادِ وَالْآلِهَةِ الْمَدْعُوَّةِ مَعَهُ فَتَضَمَّنَتِ الرَّدَّ عَلَى مَنْ يَزْعُمُ أَنَّهُ يَخْلُقُ أَفْعَالَهُ وَمِنْهَا مَا حَذَّرَ بِهِ الْمُؤْمِنِينَ أَوْ أَثْنَى عَلَيْهِمْ وَمِنْهَا مَا وَبَّخَ بِهِ الْكَافِرِينَ وَحَدِيثُ الْبَابِ ظَاهِرٌ فِي ذَلِكَ وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ التَّرْجَمَةُ مُشْعِرَةٌ بِأَنَّ الْمَقْصُودَ إِثْبَاتُ نَفْيِ الشَّرِيكِ عَنِ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فَكَانَ الْمُنَاسِبُ ذِكْرَهُ فِي أَوَائِلِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ لَكِنْ لَيْسَ الْمَقْصُودُ هُنَا ذَلِكَ بَلِ الْمُرَادُ بَيَانُ كَوْنِ أَفْعَالِ الْعِبَادِ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى إِذْ لَوْ كَانَتْ أَفْعَالُهُمْ بِخَلْقِهِمْ لَكَانُوا أَنْدَادًا لِلَّهِ وَشُرَكَاءَ لَهُ فِي الْخَلْقِ وَلِهَذَا عَطَفَ مَا ذَكَرَ عَلَيْهِ وَتَضَمَّنَ الرَّدَّ عَلَى الْجَهْمِيَّةِ فِي قَوْلِهِمْ لَا قُدْرَةَ لِلْعَبْدِ أَصْلًا وَعَلَى الْمُعْتَزِلَةِ حَيْثُ قَالُوا لَا دَخْلَ لِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى فِيهَا وَالْمَذْهَبُ الْحَقُّ أَنْ لَا جَبْرَ وَلَا قَدَرَ بَلْ أَمْرٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ فَإِنْ قِيلَ لَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ فِعْلُ الْعَبْدِ بِقُدْرَةٍ مِنْهُ أَوَّلًا إِذْ لَا وَاسِطَةَ بَيْنَ النَّفْيِ وَالْإِثْبَاتِ فَعَلَى الْأَوَّلِ يَثْبُتُ الْقَدَرُ الَّذِي تَدَّعِيهِ الْمُعْتَزِلَةُ

الصفحة 491