كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

عَنِ الْأَعْمَالِ أَيُّهَا أَفْضَلُ فَهَذَا مِمَّا يُؤَيِّدُ الِاحْتِمَالَ الْأَوَّلَ وَأَنَّ الرَّاوِيَ لَمْ يَضْبِطِ اللَّفْظَ وَشُعْبَةُ أَتْقَنُ مِنَ الشَّيْبَانِيِّ وَأَضْبَطُ لِأَلْفَاظِ الْحَدِيثِ فروايته هِيَ الْمُعْتَمدَة وَاللَّهُ أَعْلَمُ

(قَوْلُهُ بَابُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى إِنَّ الْإِنْسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا وَإِذَا مَسّه الْخَيْر منوعا)
سَقَطَ لِأَبِي ذَرٍّ لَفْظُ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَزَادَ فِي رِوَايَتِهِ هَلُوعًا ضَجُورًا وَهُوَ تَفْسِيرُ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ خُلِقَ هَلُوعًا أَيْ ضَجُورًا وَالْهُلَاعُ مَصْدَرٌ وَهُوَ أَشَدُّ الْجَزَعِ

[7535] قَوْلُهُ عَنِ الْحسن هُوَ الْبَصْرِيّ والسند كُله بصريون وَعَمْرو بْنُ تَغْلِبَ بِالْمُثَنَّاةِ الْمَفْتُوحَةِ وَالْمُعْجَمَةِ السَّاكِنَةِ وَاللَّامِ الْمَكْسُورَةِ بَعْدَهَا مُوَحَّدَةٌ هُوَ النَّمَرِيُّ بِفَتْحِ الْمِيمِ وَالنُّونِ وَالتَّخْفِيفِ وَقَدْ تَقَدَّمَ شَرْحُ حَدِيثِهِ هَذَا فِي فَرْضِ الْخُمُسِ وَالْغَرَضُ مِنْهُ قَوْلُهُ فِيهِ لِمَا فِي قُلُوبِهِمْ مِنَ الْجَزَعِ وَالْهَلَعِ قَالَ بن بَطَّالٍ مُرَادُهُ فِي هَذَا الْبَابِ إِثْبَاتُ خَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى لِلْإِنْسَانِ بِأَخْلَاقِهِ مِنَ الْهَلَعِ وَالصَّبْرِ وَالْمَنْعِ وَالْإِعْطَاءِ وَقَدِ اسْتَثْنَى اللَّهُ الْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ لَا يَضْجَرُونَ بِتَكَرُّرِهَا عَلَيْهِمْ وَلَا يَمْنَعُونَ حَقَّ اللَّهِ فِي أَمْوَالِهِمْ لِأَنَّهُمْ يَحْتَسِبُونَ بِهَا الثَّوَابَ وَيَكْسِبُونَ بِهَا التِّجَارَةَ الرَّابِحَةَ فِي الْآخِرَةِ وَهَذَا يُفْهَمُ مِنْهُ أَنَّ مَنِ ادَّعَى لِنَفْسِهِ قُدْرَةً وَحَوْلًا بِالْإِمْسَاكِ وَالشُّحِّ وَالضَّجَرِ مِنَ الْفَقْرِ وَقِلَّةِ الصَّبْرِ لِقَدَرِ اللَّهِ تَعَالَى لَيْسَ بِعَالِمٍ وَلَا عَابِدٍ لِأَنَّ مَنِ ادَّعَى أَنَّ لَهُ قُدْرَةً عَلَى نَفْعِ نَفْسِهِ أَوْ دَفْعِ الضُّرِّ عَنْهَا فَقَدِ افْتَرَى انْتَهَى مُلَخَّصًا وَأَوَّلُهُ كَافٍ فِي الْمُرَادِ فَإِنَّ قَصْدَ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الصِّفَاتِ الْمَذْكُورَةَ بِخَلْقِ اللَّهِ تَعَالَى فِي الْإِنْسَانِ لَا أَنَّ الْإِنْسَانَ يَخْلُقُهَا بِفِعْلِهِ وَفِيهِ أَنَّ الرِّزْقَ فِي الدُّنْيَا لَيْسَ عَلَى دَرَجَة الْمَرْزُوقِ فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَإِنَّمَا تَقَعُ الْعَطِيَّةُ وَالْمَنْعُ بِحَسَبِ السِّيَاسَةِ الدُّنْيَوِيَّةِ فَكَانَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُعْطِي مَنْ يَخْشَى عَلَيْهِ الْجَزَعَ وَالْهَلَعَ لَوْ مُنِعَ وَيَمْنَعُ مَنْ يَثِقُ بِصَبْرِهِ وَاحْتِمَالِهِ وَقَنَاعَتِهِ بِثَوَابِ الْآخِرَةِ وَفِيهِ أَنَّ الْبَشَرَ جُبِلُوا عَلَى حُبِّ الْعَطَاءِ وَبُغْضِ الْمَنْعِ وَالْإِسْرَاعِ إِلَى إِنْكَارِ ذَلِكَ قَبْلَ الْفِكْرَةِ فِي عَاقِبَتِهِ إِلَّا مَنْ شَاءَ اللَّهُ وَفِيهِ أَنَّ الْمَنْعَ قَدْ يَكُونُ خَيْرًا لِلْمَمْنُوعِ كَمَا قَالَ تَعَالَى وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خير لكم وَمِنْ ثَمَّ قَالَ الصَّحَابِيُّ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِتِلْكَ الْكَلِمَةِ حُمْرَ النَّعَمِ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِتِلْكَ لِلْبَدَلِيَّةِ أَيْ مَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بَدَلَ كَلِمَتِهِ النَّعَمَ الْحُمْرَ لِأَنَّ الصِّفَةَ الْمَذْكُورَةَ تَدُلُّ عَلَى قُوَّةِ إِيمَانِهِ الْمُفْضِي بِهِ لِدُخُولِ الْجَنَّةِ وَثَوَابُ الْآخِرَةِ خَيْرٌ وَأَبْقَى وَفِيهِ اسْتِئْلَافُ مَنْ يُخْشَى جَزَعُهُ أَوْ يُرْجَى بِسَبَبِ إِعْطَائِهِ طَاعَةُ مَنْ يَتَّبِعُهُ وَالِاعْتِذَارُ إِلَى مَنْ ظن ظنا وَالْأَمر بِخِلَافِهِ

الصفحة 511