كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ وَمِنْ طَرِيقِ حَجَّاجِ بْنِ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا عَنْ شُعْبَةَ سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ رَبُّكُمْ وَفِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ الطَّيَالِسِيِّ عَنْ شُعْبَةَ وَمِنْ طَرِيقِهِ أَخْرَجَهُ أَبُو نُعَيْمٍ يَقُولُ اللَّهُ قَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ قَوْلُهُ قَالَ رَبُّكُمْ وَقَوْلُهُ يَرْوِيهِ عَنْ رَبِّكُمْ سَوَاءٌ أَيْ فِي الْمَعْنَى قَوْلُهُ إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ إِلَيَّ شِبْرًا فِي رِوَايَةِ الْإِسْمَاعِيلِيِّ مِنِّي وَفِي رِوَايَةِ الطَّيَالِسِيِّ إِنْ تَقَرَّبَ مِنِّي عَبْدِي وَالْأَصْلُ هُنَا الْإِتْيَانُ بِمِنْ لَكِنْ يُفِيدُ اسْتِعْمَالُ إِلَى بِمَعْنَى الِانْتِهَاءِ فَهُوَ أَبْلَغُ قَوْلُهُ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِذَا تَقَرَّبَ إِلَيَّ فِي رِوَايَةِ الْكُشْمِيهَنِيِّ مِنِّي وَكَذَا لِلْإِسْمَاعِيلِيِّ وَالطَّيَالِسِيِّ قَوْلُهُ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا وَإِذَا أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً لَمْ يَقَعْ وَإِذَا أَتَانِي إِلَخْ فِي رِوَايَة الطَّيَالِسِيّ قَالَ بن بَطَّالٍ وَصَفَ سُبْحَانَهُ نَفْسَهُ بِأَنَّهُ يَتَقَرَّبُ إِلَى عَبْدِهِ وَوَصَفَ الْعَبْدَ بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ وَوَصَفَهُ بِالْإِتْيَانِ وَالْهَرْوَلَةِ كُلُّ ذَلِكَ يَحْتَمِلُ الْحَقِيقَةَ وَالْمَجَازَ فَحَمْلُهَا عَلَى الْحَقِيقَةِ يَقْتَضِي قَطْعَ الْمَسَافَاتِ وَتَدَانِي الْأَجْسَامِ وَذَلِكَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مُحَالٌ فَلَمَّا اسْتَحَالَتِ الْحَقِيقَةُ تَعَيَّنَ الْمَجَازُ لِشُهْرَتِهِ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ فَيَكُونُ وَصْفُ الْعَبْدِ بِالتَّقَرُّبِ إِلَيْهِ شِبْرًا وَذِرَاعًا وَإِتْيَانُهُ وَمَشْيُهُ مَعْنَاهُ التَّقَرُّبُ إِلَيْهِ بِطَاعَتِهِ وَأَدَاءِ مُفْتَرَضَاتِهِ وَنَوَافِلِهِ وَيَكُونُ تَقَرُّبُهُ سُبْحَانَهُ مِنْ عَبْدِهِ واتيانه وَالْمَشْي عبارَة عَن إثابته عَلَى طَاعَتِهِ وَتَقَرُّبِهِ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيَكُونُ قَوْلُهُ أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً أَيْ أَتَاهُ ثَوَابِي مُسْرِعًا وَنُقِلَ عَنِ الطَّبَرِيِّ أَنَّهُ إِنَّمَا مَثَّلَ الْقَلِيلَ مِنَ الطَّاعَةِ بِالشِّبْرِ مِنْهُ وَالضِّعْفُ مِنَ الْكَرَامَةِ وَالثَّوَابُ بِالذِّرَاعِ فَجَعَلَ ذَلِكَ دَلِيلًا عَلَى مَبْلَغِ كَرَامَتِهِ لِمَنْ أَدْمَنَ عَلَى طَاعَتِهِ أَنَّ ثَوَابَ عَمَلِهِ لَهُ عَلَى عَمَلِهِ الضَّعْفُ وَأَنَّ الْكَرَامَةَ مُجَاوَزَةٌ حَدَّهُ إِلَى مَا يُثِيبُهُ اللَّهُ تَعَالَى وَقَالَ بن التِّينِ الْقُرْبُ هُنَا نَظِيرُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى فَكَانَ قَابَ قَوْسَيْنِ أَوْ أَدْنَى فَإِنَّ الْمُرَادَ بِهِ قُرْبُ الرُّتْبَةِ وَتَوْفِيرُ الْكَرَامَةِ وَالْهَرْوَلَةُ كِنَايَةٌ عَنْ سُرْعَةِ الرَّحْمَةِ إِلَيْهِ وَرِضَا اللَّهِ عَنِ الْعَبْدِ وَتَضْعِيفِ الْأَجْرِ قَالَ وَالْهَرْوَلَةُ ضَرْبٌ مِنَ الْمَشْيِ السَّرِيعِ وَهِيَ دُونَ الْعَدْوِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْمُرَادُ بِمَا جَاءَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ سُرْعَةُ قَبُولِ تَوْبَةِ اللَّهِ لِلْعَبْدِ أَوْ تَيْسِيرُ طَاعَتِهِ وَتَقْوِيَتُهُ عَلَيْهَا وَتَمَامُ هِدَايَتِهِ وَتَوْفِيقِهِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمُرَادِهِ وَقَالَ الرَّاغِبُ قُرْبُ الْعَبْدِ مِنَ اللَّهِ التَّخْصِيصُ بِكَثِيرٍ مِنَ الصِّفَاتِ الَّتِي يَصِحُّ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ عَلَى الْحَدِّ الَّذِي يُوصَفُ بِهِ اللَّهُ تَعَالَى نَحْوَ الْحِكْمَةِ وَالْعِلْمِ وَالْحِلْمِ وَالرَّحْمَةِ وَغَيْرِهَا وَذَلِكَ يَحْصُلُ بِإِزَالَةِ الْقَاذُورَاتِ الْمَعْنَوِيَّةِ مِنَ الْجَهْلِ وَالطَّيْشِ وَالْغَضَبِ وَغَيْرِهَا بِقَدْرِ طَاقَةِ الْبَشَرِ وَهُوَ قُرْبٌ رُوحَانِيٌّ لَا بَدَنِيٌّ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي شِبْرًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ ذِرَاعًا الْحَدِيثُ الثَّانِي

[7537] قَوْلُهُ يَحْيَى هُوَ بن سعيد الْقطَّان والتيمي هُوَ سُلَيْمَانُ بْنُ طَرْخَانَ قَوْلُهُ رُبَّمَا ذَكَرَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ إِذَا تَقَرَّبَ الْعَبْدُ مِنِّي كَذَا لِلْجَمِيعِ لَيْسَ فِيهِ الرِّوَايَةُ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَكَذَا أَخْرَجَهُ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ خَلَّادٍ عَنْ يَحْيَى الْقَطَّانِ وَأَخْرَجَهُ مِنْ رِوَايَةِ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي بَكْرٍ الْمُقَدِّمِيِّ عَنْ يَحْيَى فَقَالَ فِيهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ ذَكَرَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَقَالَ مُسْلِمٌ حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ حَدَّثَنَا يَحْيَى هُوَ بن سعيد وبن أَبِي عَدِيٍّ كِلَاهُمَا عَنْ سُلَيْمَانَ فَذَكَرَهُ بِلَفْظِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ قَوْلُهُ وَإِذَا تَقَرَّبَ مِنِّي ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ مِنْهُ بَاعًا أَوْ بُوعًا كَذَا فِيهِ بِالشَّكِّ وَكَذَا فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ وَالْإِسْمَاعِيلِيِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى وَيُحَذِّرُكُمُ اللَّهُ نَفْسَهُ بِغَيْرِ شَكٍّ مِنْ رِوَايَةِ أَبِي صَالِحٍ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبْدِي بِي فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ شِبْرًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا وَوَقَعَ ذِكْرُ الْهَرْوَلَةِ فِي حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ الَّذِي أَوَّلُهُ رَفَعَهُ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى مَنْ عَمِلَ حَسَنَةً فَجَزَاؤُهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَفِيهِ وَمَنْ تَقَرَّبَ إِلَيْهِ شِبْرًا الْحَدِيثَ وَفِي آخِرِهِ وَمَنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً وَمَنْ أَتَانِي بِقُرَابِ الْأَرْضِ خَطِيئَةً لَمْ يُشْرِكْ بِي شَيْئًا جَعَلْتُهَا لَهُ مَغْفِرَةً أَخْرَجَهُ

الصفحة 513