كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

لَا يَكُونَ فِيهَا قَدْحٌ فِي الدِّينِ وَالْمُدَاهَنَةُ الْمَذْمُومَةُ أَنْ يَكُونَ فِيهَا تَزْيِينُ الْقَبِيحِ وَتَصْوِيبُ الْبَاطِلِ وَنَحْوُ ذَلِكَ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ اخْتَلَفَ السَّلَفُ فِي الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ يَجِبُ مُطْلَقًا وَاحْتَجُّوا بِحَدِيثِ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ رَفَعَهُ أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ وَبِعُمُومِ قَوْلِهِ مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِهِ الْحَدِيثَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَجِبُ إِنْكَارُ الْمُنْكَرِ لَكِنَّ شَرْطَهُ أَنْ لَا يَلْحَقَ الْمُنْكِرَ بَلَاءٌ لَا قِبَلَ لَهُ بِهِ مِنْ قَتْلٍ وَنَحْوِهِ وَقَالَ آخَرُونَ يُنْكِرُ بِقَلْبِهِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ مَرْفُوعًا يُسْتَعْمَلُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ بَعْدِي فَمَنْ كَرِهَ فَقَدْ بَرِئَ وَمَنْ أَنْكَرَ فَقَدْ سَلِمَ وَلَكِنْ مَنْ رَضِيَ وَتَابَعَ الْحَدِيثَ قَالَ وَالصَّوَابُ اعْتِبَارُ الشَّرْطِ الْمَذْكُورِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ لَا يَنْبَغِي لِمُؤْمِنٍ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ ثُمَّ فَسَّرَهُ بِأَنْ يَتَعَرَّضَ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطِيقُ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ غَيْرُهُ يَجِبُ الْأَمْرُ بِالْمَعْرُوفِ لِمَنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَمْ يَخَفْ عَلَى نَفْسِهِ مِنْهُ ضَرَرًا وَلَوْ كَانَ الْآمِرُ مُتَلَبِّسًا بِالْمَعْصِيَةِ لِأَنَّهُ فِي الْجُمْلَةِ يُؤْجَرُ عَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَلَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مُطَاعًا وَأَمَّا إِثْمُهُ الْخَاصُّ بِهِ فَقَدْ يَغْفِرُهُ اللَّهُ لَهُ وَقَدْ يُؤَاخِذُهُ بِهِ وَأَمَّا مَنْ قَالَ لَا يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ إِلَّا مَنْ لَيْسَتْ فِيهِ وَصْمَةٌ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ الْأَوْلَى فَجَيِّدٌ وَإلَّا فَيَسْتَلْزِمُ سَدَّ بَابِ الْأَمْرِ إِذَا لَمْ يَكُنْ هُنَاكَ غَيْرُهُ ثُمَّ قَالَ الطَّبَرِيُّ فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ صَارَ الْمَأْمُورُونَ بِالْمَعْرُوفِ فِي حَدِيثِ أُسَامَةَ الْمَذْكُورِ فِي النَّارِ وَالْجَوَابُ أَنَّهُمْ لَمْ يَمْتَثِلُوا مَا أُمِرُوا بِهِ فَعُذِّبُوا بِمَعْصِيَتِهِمْ وَعُذِّبَ أَمِيرُهُمْ بِكَوْنِهِ كَانَ يَفْعَلُ مَا يَنْهَاهُمْ عَنْهُ وَفِي الْحَدِيثِ تَعْظِيمُ الْأُمَرَاءِ وَالْأَدَبِ مَعَهُمْ وَتَبْلِيغِهِمْ مَا يَقُولُ النَّاسُ فِيهِمْ لِيَكُفُّوا وَيَأْخُذُوا حِذْرَهُمْ بِلُطْفٍ وَحُسْنِ تَأْدِيَةٍ بِحَيْثُ يَبْلُغُ الْمَقْصُود من غير أذية للْغَيْر

الصفحة 53