كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

وَالْقَضَاء فأسند الطَّبَرِيّ من طَرِيق بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَنَضَع الموازين الْقسْط ليَوْم الْقِيَامَة قَالَ إِنَّمَا هُوَ مَثَلٌ كَمَا يَجُوزُ وَزْنُ الْأَعْمَالِ كَذَلِكَ يَجُوزُ الْحَطُّ وَمِنْ طَرِيقِ لَيْثِ بْنِ أَبِي سُلَيْمٍ عَنْ مُجَاهِدٍ قَالَ الْمَوَازِينُ الْعَدْلُ وَالرَّاجِحُ مَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْجُمْهُورُ وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالَكَائِيُّ فِي السُّنَّةِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ يُوضَعُ الْمِيزَانُ وَلَهُ كِفَتَّانِ لَوْ وُضِعَ فِي إِحْدَاهُمَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ لَوَسِعَتْهُ وَمِنْ طَرِيقِ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي سُلَيْمَانَ ذُكِرَ الْمِيزَانُ عِنْدَ الْحَسَنِ فَقَالَ لَهُ لِسَانٌ وَكِفَّتَانِ وَقَالَ الطِّيبِيُّ قِيلَ إِنَّمَا تُوزَنُ الصُّحُفُ وَأَمَّا الْأَعْمَالُ فَإِنَّهَا أَعْرَاضٌ فَلَا تُوصَفُ بِثِقَلٍ وَلَا خِفَّةٍ وَالْحَقُّ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ الْأَعْمَالَ حِينَئِذٍ تُجَسَّدُ أَوْ تُجْعَلُ فِي أَجْسَامٍ فَتَصِيرُ أَعْمَالُ الطَّائِعِينَ فِي صُورَةٍ حَسَنَةٍ وَأَعْمَالُ الْمُسِيئِينَ فِي صُورَةٍ قَبِيحَةٍ ثُمَّ تُوزَنُ وَرَجَّحَ الْقُرْطُبِيُّ أَنَّ الَّذِي يُوزَنُ الصَّحَائِفُ الَّتِي تُكْتَبُ فِيهَا الْأَعْمَال وَنقل عَن بن عُمَرَ قَالَ تُوزَنُ صَحَائِفُ الْأَعْمَالِ قَالَ فَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فَالصُّحُفُ أَجْسَامٌ فَيَرْتَفِعُ الْإِشْكَالُ وَيُقَوِّيهِ حَدِيثُ الْبِطَاقَةِ الَّذِي أَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ وَفِيهِ فَتُوضَعُ السِّجِلَّاتُ فِي كِفَّةٍ وَالْبِطَاقَةُ فِي كِفَّةٍ انْتَهَى وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْأَعْمَالَ هِيَ الَّتِي تُوزَنُ وَقَدْ أَخْرَجَ أَبُو دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَححهُ بن حِبَّانَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَا يُوضَعُ فِي الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَثْقَلُ مِنْ خُلُقٍ حَسَنٍ وَفِي حَدِيثِ جَابِرٍ رَفَعَهُ تُوضَعُ الْمَوَازِينُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَتُوزَنُ الْحَسَنَاتُ وَالسَّيِّئَاتُ فَمَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ الْجَنَّةَ وَمَنْ رَجَحَتْ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ مِثْقَالَ حَبَّةٍ دَخَلَ النَّارَ قِيلَ فَمَنِ اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ وَسَيِّئَاتُهُ قَالَ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْأَعْرَافِ أَخْرَجَهُ خَيْثَمَةُ فِي فَوَائِدِهِ وَعند بن الْمُبَارك فِي الزّهْد عَن بن مَسْعُودٍ نَحْوُهُ مَوْقُوفًا وَأَخْرَجَ أَبُو الْقَاسِمِ اللَّالِكَائِيُّ فِي كِتَابِ السُّنَّةِ عَنِ حُذَيْفَةَ مَوْقُوفًا أَنَّ صَاحِبَ الْمِيزَانِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلُهُ وَقَالَ مُجَاهِدٌ الْقِسْطَاسُ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَصَلَهُ الْفِرْيَابِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ عَنْ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ رجل عَن مُجَاهِد وَعَن وَرْقَاء عَن بن أَبِي نَجِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وزنوا بالقسطاس الْمُسْتَقيم قَالَ هُوَ الْعَدْلُ بِالرُّومِيَّةِ وَقَالَ الطَّبَرِيُّ مَعْنَى قَوْله وزنوا بالقسطاس بالميزان وَقَالَ بن دُرَيْدٍ مِثْلَهُ وَزَادَ وَهُوَ رُومِيٌّ عُرِّبَ وَيُقَالُ قِسْطَارٌ بِالرَّاءِ آخِرَهُ بَدَلَ السِّينِ وَقَالَ صَاحِبُ الْمَشَارِقِ الْقِسْطَاسُ أَعْدَلُ الْمَوَازِينِ وَهُوَ بِكَسْرِ الْقَافِ وَبِضَمِّهَا وَقُرِئَ بِهِمَا فِي الْمَشْهُورِ قَوْلُهُ وَيُقَالُ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ وَهُوَ الْعَادِلُ وَأَمَّا الْقَاسِطُ فَهُوَ الْجَائِرُ قَالَ الْفَرَّاءُ الْقَاسِطُونَ الْجَائِرُونَ وَالْمُقْسِطُونَ الْعَادِلُونَ وَقَالَ الرَّاغِبُ الْقِسْطُ النَّصِيبُ بِالْعَدْلِ كَالنِّصْفِ وَالنَّصَفَةِ وَالْقَسْطُ بِفَتْحِ الْقَافِ أَنْ يَأْخُذَ قِسْطَ غَيْرِهِ وَذَلِكَ جَوْرٌ وَالْإِقْسَاطُ أَنْ يُعْطِيَ غَيْرَهُ قِسْطَهُ وَذَلِكَ إِنْصَافٌ وَلِذَلِكَ قِيلَ قَسَطَ إِذَا جَارَ وَأَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُحْكَمِ الْقِسْطُ النَّصِيبُ إِذَا تَقَاسَمُوهُ بِالسَّوِيَّةِ وَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيُّ مُتَعَقِّبًا عَلَى قَوْلِ الْبُخَارِيِّ الْقِسْطُ مَصْدَرُ الْمُقْسِطِ مَا نَصُّهُ الْقِسْطُ الْعَدْلُ وَمَصْدَرُ الْمُقْسِطِ الْإِقْسَاطُ يُقَالُ أَقْسَطَ إِذَا عَدَلَ وَقَسَطَ إِذَا جَارَ وَيَرْجِعَانِ إِلَى مَعْنًى مُتَقَارِبٍ لِأَنَّهُ يُقَالُ عَدَلَ عَنْ كَذَا إِذَا مَالَ عَنْهُ وَكَذَلِكَ قَسَطَ إِذْ عَدَلَ عَنِ الْحَقِّ وَأَقْسَطَ كَأَنَّهُ لَزِمَ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّم حطبا وَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْمُقْسِطُونَ عَلَى مَنَابِرَ مِنْ نُورٍ انْتَهَى وَكَانَ مِنْ حَقه ان يستشهد للمعنى الثَّانِي بِالْآيَةِ الْأُخْرَى وَهِيَ قَوْلُهُ تَعَالَى إِنَّ اللَّهَ يحب المقسطين وَهِيَ فِي الْمَائِدَةِ وَفِي الْحُجُرَاتِ وَالْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ صَحِيحٌ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَفِي الصَّحِيحِ عَنْ أبي هُرَيْرَة رَفعه فِي ذكر عِيسَى بن مَرْيَمَ يَنْزِلُ حَكَمًا مُقْسِطًا وَفِي الْأَسْمَاءِ الْحُسْنَى الْمُقْسِطُ قَالَ الْحَلِيمِيُّ هُوَ الْمُعْطِي عِبَادَهُ الْقِسْطَ وَهُوَ الْعَدْلُ مِنْ نَفْسِهِ وَقَدْ يَكُونُ مَعْنَاهُ الْمُعْطِي لِكُلٍّ مِنْهُمْ قِسْطًا مِنْ خَيْرِهِ وَقَوْلُهُ كَأَنَّهُ لَزِمَ الْقِسْطَ يُشِيرُ إِلَى أَنَّ الْهَمْزَةَ فِيهِ لِلسَّلْبِ وَبِذَلِكَ جَزَمَ صَاحِبُ النِّهَايَةِ وَذَكَرَ بن الْقَطَّاعِ أَنَّ قَسَطَ مِنَ الْأَضْدَادِ وَقَدْ أَجَابَ بن بطال

الصفحة 539