كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

السَّلْبِ كَمَا فِي الْعِلْمِ لَا يُدْرَكُ مِنْهُ إِلَّا أَنَّهُ لَيْسَ بِجَاهِلٍ وَأَمَّا مَعْرِفَةُ حَقِيقَةِ عِلْمِهِ فَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ وَقَالَ شَيْخُنَا شَيْخُ الْإِسْلَامِ سِرَاجُ الدِّينِ الْبُلْقِينِيُّ فِي كَلَامِهِ عَلَى مُنَاسَبَةِ أَبْوَابِ صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ الَّذِي نَقَلْتُهُ عَنْهُ فِي أَوَاخِرِ الْمُقَدَّمَةِ لَمَّا كَانَ أَصْلُ الْعِصْمَةِ أَوَّلًا وَآخِرًا هُوَ تَوْحِيدُ اللَّهِ فَخَتَمَ بِكِتَابِ التَّوْحِيدِ وَكَانَ آخِرُ الْأُمُورِ الَّتِي يَظْهَرُ بِهَا الْمُفْلِحُ مِنَ الْخَاسِرِ ثِقَلَ الْمَوَازِينِ وَخِفَّتَهَا فَجَعَلَهُ آخِرَ تَرَاجِمِ الْكِتَابِ فَبَدَأَ بِحَدِيثِ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَخَتَمَ بِأَنَّ الْأَعْمَالَ تُوزَنُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَأَشَارَ إِلَى أَنَّهُ إِنَّمَا يَثْقُلُ مِنْهَا مَا كَانَ بِالنِّيَّةِ الْخَالِصَةِ لِلَّهِ تَعَالَى وَفِي الْحَدِيثِ الَّذِي ذَكَرَهُ تَرْغِيبٌ وَتَخْفِيفٌ وَحَثٌّ عَلَى الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ لِمَحَبَّةِ الرَّحْمَنِ لَهُ وَالْخِفَّةِ بِالنِّسْبَةِ لِمَا يَتَعَلَّقُ بِالْعَمَلِ وَالثِّقَلِ بِالنِّسْبَةِ لِإِظْهَارِ الثَّوَابِ وَجَاءَ تَرْتِيبُ هَذَا الْحَدِيثِ عَلَى أُسْلُوبٍ عَظِيمٍ وَهُوَ أَنَّ حُبَّ الرَّبِّ سَابِقٌ وَذِكْرَ الْعَبْدِ وَخِفَّةَ الذِّكْرِ عَلَى لِسَانِهِ تَالٍ ثُمَّ بَيَّنَ مَا فِيهِمَا مِنَ الثَّوَابِ الْعَظِيمِ النَّافِعِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَقَالَ الْكِرْمَانِيُّ تَقَدَّمَ فِي أَوَّلِ كِتَابِ التَّوْحِيدِ بَيَانُ تَرْتِيبِ أَبْوَابِ الْكِتَابِ وَأَنَّ الْخَتْمَ بِمَبَاحِثِ كَلَامِ اللَّهِ لِأَنَّهُ مَدَارُ الْوَحْيِ وَبِهِ تَثْبُتُ الشَّرَائِعُ وَلِهَذَا افْتَتَحَ بِبَدْءِ الْوَحْيِ وَالِانْتِهَاءُ إِلَى مَا مِنْهُ الِابْتِدَاءُ وَنِعْمَ الْخَتْمُ بِهَا وَلَكِنَّ ذِكْرَ هَذَا الْبَابِ لَيْسَ مَقْصُودًا بِالذَّاتِ بَلْ هُوَ لِإِرَادَةِ أَنْ يَكُونَ آخِرُ الْكَلَامِ التَّسْبِيحَ وَالتَّحْمِيدَ كَمَا أَنَّهُ ذَكَرَ حَدِيثَ الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ فِي أَوَّلِ الْكِتَابِ لِإِرَادَةِ بَيَانِ إِخْلَاصِهِ فِيهِ كَذَا قَالَ وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهُ قَصَدَ خَتْمَ كِتَابِهِ بِمَا دَلَّ عَلَى وَزْنِ الْأَعْمَالِ لِأَنَّهُ آخِرُ آثَارِ التَّكْلِيفِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بَعْدَ الْوَزْنِ إِلَّا الِاسْتِقْرَارُ فِي أَحَدِ الدَّارَيْنِ إِلَى أَنْ يُرِيدَ اللَّهُ إِخْرَاجَ مَنْ قَضَى بِتَعْذِيبِهِ مِنَ الْمُوَحِّدِينَ فَيَخْرُجُونَ مِنَ النَّارِ بِالشَّفَاعَةِ كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُهُ قَالَ الْكِرْمَانِيُّ وَأَشَارَ أَيْضًا إِلَى أَنَّهُ وَضَعَ كِتَابَهُ قِسْطَاسًا وَمِيزَانًا يُرْجَعُ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ سَهْلٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِمَا كَانَ عَلَيْهِ الْمُؤَلِّفُ فِي حَالَتَيْهِ أَوَّلًا وَآخِرًا تَقَبَّلَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُ وَجَزَاهُ أَفْضَلَ الْجَزَاءِ قُلْتُ وَفِي الْحَدِيثِ مِنَ الْفَوَائِدِ غَيْرِ مَا تَقَدَّمَ الْحَثُّ عَلَى إِدَامَةِ هَذَا الذِّكْرِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَابِ فَضْلِ التَّسْبِيحِ مِنْ وَجْهٍ آخَرَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ حَدِيثٌ آخَرُ لَفْظُهُ مَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ فِي يَوْمِهِ مِائَةَ مَرَّةٍ حُطَّتْ خَطَايَاهُ وَإِنْ كَانَتْ مِثْلَ زَبَدِ الْبَحْرِ وَإِذَا ثَبَتَ هَذَا فِي قَوْلِ سُبْحَانَ اللَّهِ وَبِحَمْدِهِ وَحْدَهَا فَإِذَا انْضَمَّتْ إِلَيْهَا الْكَلِمَةُ الْأُخْرَى فَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّهَا تُفِيدُ تَحْصِيلَ الثَّوَابِ الْجَزِيلِ الْمُنَاسِبِ لَهَا كَمَا أَنَّ مَنْ قَالَ الْكَلِمَةَ الْأُولَى وَلَيْسَتْ لَهُ خَطَايَا مَثَلًا فَإِنَّهُ يَحْصُلُ لَهُ مِنَ الثَّوَابِ مَا يُوَازِنُ ذَلِكَ وَفِيهِ إِيرَادُ الْحُكْمِ الْمُرَغَّبِ فِي فِعْلِهِ بِلَفْظِ الْخَبَرِ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ مِنْ سِيَاقِ هَذَا الْحَدِيثِ الْأَمْرُ بِمُلَازَمَةِ الذِّكْرِ الْمَذْكُورِ وَفِيهِ تَقْدِيمُ الْمُبْتَدَأِ عَلَى الْخَبَرِ كَمَا مَضَى فِي قَوْلِهِ كَلِمَتَانِ وَفِيهِ مِنَ الْبَدِيعِ الْمُقَابَلَةُ وَالْمُنَاسَبَةُ وَالْمُوَازَنَةُ فِي السَّجْعِ لِأَنَّهُ قَالَ حَبِيبَتَانِ إِلَى الرَّحْمَنِ وَلَمْ يَقُلْ لِلرَّحْمَنِ لِمُوَازَنَةِ قَوْلِهِ عَلَى اللِّسَانِ وَعَدَّى كُلًّا مِنَ الثَّلَاثَةِ بِمَا يَلِيقُ بِهِ وَفِيهِ إِشَارَةُ امْتِثَالِ قَوْلِهِ تَعَالَى وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبك وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الْمَلَائِكَةِ فِي عِدَّةِ آيَاتٍ أَنَّهُمْ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ عَنْ أَبِي ذَرٍّ قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي أَيُّ الْكَلَامِ أَحَبُّ إِلَى اللَّهِ قَالَ مَا اصْطَفَى اللَّهُ لِمَلَائِكَتِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ سُبْحَانَ رَبِّي وَبِحَمْدِهِ وَفِي لَفْظٍ لَهُ أَنَّ أَحَبَّ الْكَلَامِ إِلَى الله سُبْحَانَهُ سُبْحَانَ الله وَبِحَمْدِهِ خَاتِمَة اشْتَمَل كتاب التَّوْحِيد من الْأَحَادِيث المرفوعة على مِائَتي حَدِيث وَخَمْسَة وَأَرْبَعين حَدِيثًا الْمُعَلَّقُ مِنْهَا وَمَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْمُتَابَعَة خَمْسَة وَخَمْسُونَ طَرِيقًا وَالْبَاقِي مَوْصُولٌ الْمُكَرَّرُ مِنْهَا فِيهِ وَفِيمَا مَضَى معظمها والخالص مِنْهَا أحد عشر حَدِيثا انْفَرد عَن مُسلم بأكثرها وَأخرج مُسلم مِنْهَا حَدِيث عَائِشَة فِي أَمر السّريَّة فِي ذكر قل هُوَ الله أحد وَحَدِيث أبي هُرَيْرَة اذنب عبد من عبَادي ذَنبا وَحَدِيثه إِذا تقرب العَبْد مني شبْرًا وَحَدِيثه يَقُولُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنَا عِنْدَ ظَنِّ عَبدِي بِي وَفِيهِ مِنَ الْآثَارِ عَنِ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ سِتَّة وَثَلَاثُونَ أثرا فَجَمِيع

الصفحة 542