كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

لَا يَمُوتَنَّ أَحَدُكُمْ إِلَّا وَهُوَ يُحْسِنُ الظَّنَّ بِاللَّهِ يُشِيرُ إِلَى أَنَّهُ مُفَسِّرٌ لَهُ ثُمَّ أَعْقَبَهُ بِحَدِيثِ ثُمَّ بُعِثُوا عَلَى أَعْمَالِهِمْ مُشِيرًا إِلَى أَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مُفَسِّرًا لِمَا قَبْلَهُ لَكِنَّهُ لَيْسَ مَقْصُورًا عَلَيْهِ بَلْ هُوَ عَامٌّ فِيهِ وَفِي غَيْرِهِ وَيُؤَيِّدُهُ الْحَدِيثُ الَّذِي ذَكَرَهُ بَعْدَهُ ثُمَّ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ انْتَهَى مُلَخَّصًا وَالْحَاصِلُ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُ مِنَ الِاشْتِرَاكِ فِي الْمَوْتِ الِاشْتِرَاكُ فِي الثَّوَابِ أَوِ الْعِقَابِ بَلْ يُجَازَى كُلُّ أَحَدٍ بِعَمَلِهِ عَلَى حَسَبِ نِيَّته وجنح بن أَبِي جَمْرَةَ إِلَى أَنَّ الَّذِينَ يَقَعُ لَهُمْ ذَلِكَ إِنَّمَا يَقَعُ بِسَبَبِ سُكُوتِهِمْ عَنِ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأَمَّا مَنْ أَمَرَ وَنَهَى فَهُمُ الْمُؤْمِنُونَ حَقًّا لَا يُرْسِلُ اللَّهُ عَلَيْهِمُ الْعَذَابَ بَلْ يَدْفَعُ بِهِمُ الْعَذَابَ وَيُؤَيِّدُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كُنَّا مُهْلِكِي الْقُرَى إِلَّا وَأَهْلهَا ظَالِمُونَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ وَيَدُلُّ عَلَى تَعْمِيمِ الْعَذَابِ لِمَنْ لَمْ يَنْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَإِنْ لَمْ يَتَعَاطَاهُ قَوْلُهُ تَعَالَى فَلَا تَقْعُدُوا مَعَهُمْ حَتَّى يَخُوضُوا فِي حَدِيثٍ غَيره انكم إِذا مثلهم وَيُسْتَفَادُ مِنْ هَذَا مَشْرُوعِيَّةُ الْهَرَبِ مِنَ الْكُفَّارِ وَمِنَ الظَّلَمَةِ لِأَنَّ الْإِقَامَةَ مَعَهُمْ مِنْ إِلْقَاءِ النَّفْسِ إِلَى التَّهْلُكَةِ هَذَا إِذَا لَمْ يُعِنْهُمْ وَلَمْ يَرْضَ بِأَفْعَالِهِمْ فَإِنْ أَعَانَ أَوْ رَضِيَ فَهُوَ مِنْهُمْ وَيُؤَيِّدُهُ أَمْرُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِالْإِسْرَاعِ فِي الْخُرُوجِ مِنْ دِيَارِ ثَمُودَ وَأَمَّا بَعْثُهُمْ عَلَى أَعْمَالِهِمْ فَحُكْمٌ عَدْلٌ لِأَنَّ أَعْمَالَهُمُ الصَّالِحَةَ إِنَّمَا يُجَازَوْنَ بِهَا فِي الْآخِرَةِ وَأَمَّا فِي الدُّنْيَا فَمَهْمَا أَصَابَهُمْ مِنْ بَلَاءٍ كَانَ تَكْفِيرًا لِمَا قَدَّمُوهُ مِنْ عَمَلٍ سَيِّئٍ فَكَانَ الْعَذَابُ الْمُرْسَلُ فِي الدُّنْيَا عَلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا يَتَنَاوَلُ مَنْ كَانَ مَعَهُمْ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِمْ فَكَانَ ذَلِكَ جَزَاءً لَهُمْ عَلَى مُدَاهَنَتِهِمْ ثُمَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ يُبْعَثُ كُلٌّ مِنْهُمْ فَيُجَازَى بِعَمَلِهِ وَفِي الْحَدِيثِ تَحْذِيرٌ وَتَخْوِيفٌ عَظِيمٌ لِمَنْ سَكَتَ عَنِ النَّهْيِ فَكَيْفَ بِمَنْ دَاهَنَ فَكَيْفَ بِمَنْ رَضِيَ فَكَيْفَ بِمَنْ عَاوَنَ نَسْأَلُ اللَّهَ السَّلَامَةَ قُلْتُ وَمُقْتَضَى كَلَامِهِ أَنَّ أَهْلَ الطَّاعَةِ لَا يُصِيبُهُمُ الْعَذَابُ فِي الدُّنْيَا بِجَرِيرَةِ الْعُصَاةِ وَإِلَى ذَلِكَ جَنَحَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ قَرِيبًا أَشْبَهُ بِظَاهِرِ الْحَدِيثِ وَإِلَى نَحْوِهِ مَال القَاضِي بن الْعَرَبِيِّ وَسَيَأْتِي ذَلِكَ فِي الْكَلَامِ عَلَى حَدِيثِ زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ أَنَهْلِكُ وَفِينَا الصَّالِحُونَ قَالَ نَعَمْ إِذَا كَثُرَ الْخَبَثُ فِي آخَرِ كِتَابِ الْفِتَن

الصفحة 61