كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

مَوْضِعُ ضَبْطِهَا فِي أَوَّلِ الْبَابِ وَالْمُرَادُ أَنَّ طَوَاعِيَّتَهُمْ لِمَنْ يَتَوَلَّى عَلَيْهِمْ لَا تَتَوَقَّفُ عَلَى إيصالهم حُقُوقِهِمْ بَلْ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةُ وَلَوْ مَنَعَهُمْ حَقَّهُمْ قَوْلُهُ وَأَنْ لَا نُنَازِعَ الْأَمْرَ أَهْلَهُ أَيِ الْمُلْكُ وَالْإِمَارَةُ زَادَ أَحْمَدُ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ جُنَادَةَ وَإِنْ رَأَيْتَ أَنَّ لَكَ أَيْ وَإِنِ اعْتَقَدْتَ أَنَّ لَكَ فِي الْأَمْرِ حَقًّا فَلَا تَعْمَلْ بِذَلِكَ الظَّنِّ بَلِ اسْمَعْ وَأَطِعْ إِلَى أَنْ يَصِلَ إِلَيْكَ بِغَيْرِ خُرُوجٍ عَنِ الطَّاعَةِ زَادَ فِي رِوَايَةِ حِبَّانَ أبي النَّضر عَن جُنَادَة عِنْد بن حِبَّانَ وَأَحْمَدَ وَإِنْ أَكَلُوا مَالَكَ وَضَرَبُوا ظَهْرَكَ وَزَادَ فِي رِوَايَةِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ عَنْ أَبِيهِ وَأَنْ نَقُومَ بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنَّا لَا نَخَافُ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ وَسَيَأْتِي فِي كِتَابِ الْأَحْكَامِ قَوْلُهُ إِلَّا أَنْ تَرَوْا كُفْرًا بَوَاحًا بِمُوَحَّدَةٍ وَمُهْمَلَةٍ قَالَ الْخَطَّابِيُّ مَعْنَى قَوْلِهِ بَوَاحًا يُرِيدُ ظَاهِرًا بَادِيًا مِنْ قَوْلِهِمْ بَاحَ بِالشَّيْءِ يَبُوحُ بِهِ بَوْحًا وَبَوَاحًا إِذَا أَذَاعَهُ وَأَظْهَرَهُ وَأَنْكَرَ ثَابِتٌ فِي الدَّلَائِلِ بَوَاحًا وَقَالَ إِنَّمَا يَجُوزُ بَوْحًا بِسُكُونِ الْوَاوِ وَبُؤَاحًا بِضَمِّ أَوَّلِهِ ثُمَّ هَمْزَةٍ مَمْدُودَةٍ وَقَالَ الْخَطَّابِيُّ مَنْ رَوَاهُ بِالرَّاءِ فَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْمَعْنَى وَأَصْلُ الْبَرَاحِ الْأَرْضُ الْقَفْرَاءُ الَّتِي لَا أَنِيسَ فِيهَا وَلَا بِنَاءَ وَقِيلَ الْبَرَاحُ الْبَيَانُ يُقَال بَرَحَ الْخَفَاءُ إِذَا ظَهَرَ وَقَالَ النَّوَوِيُّ هُوَ فِي مُعْظَمِ النُّسَخِ مِنْ مُسْلِمٍ بِالْوَاوِ وَفِي بَعْضِهَا بِالرَّاءِ قُلْتُ وَوَقَعَ عِنْدَ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ رِوَايَة أَحْمد بن صَالح عَن بن وَهْبٍ فِي هَذَا الْحَدِيثِ كُفْرًا صُرَاحًا بِصَادٍ مُهْمَلَةٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ وَوَقَعَ فِي رِوَايَةِ حِبَّانَ أَبِي النَّضْرِ الْمَذْكُورَةِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَعْصِيَةً لِلَّهِ بَوَاحًا وَعِنْدَ أَحْمَدَ مِنْ طَرِيقِ عُمَيْرِ بْنِ هَانِئٍ عَنْ جُنَادَةَ مَا لَمْ يَأْمُرُوكَ بِإِثْمٍ بَوَاحًا وَفِي رِوَايَةِ إِسْمَاعِيلَ بْنِ عُبَيْدٍ عِنْدَ أَحْمَدَ وَالطَّبَرَانِيِّ وَالْحَاكِمِ مِنْ رِوَايَتِهِ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُبَادَةَ سَيَلِي أُمُورَكُمْ مِنْ بَعْدِي رِجَالٌ يُعَرِّفُونَكُمْ مَا تُنْكِرُونَ وَيُنْكِرُونَ عَلَيْكُمْ مَا تَعْرِفُونَ فَلَا طَاعَةَ لِمَنْ عَصَى اللَّهَ وَعِنْدَ أَبِي بَكْرِ بْنِ أَبِي شَيْبَةَ مِنْ طَرِيقِ أَزْهَرَ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنْ عُبَادَةَ رَفَعَهُ سَيَكُونُ عَلَيْكُمْ أُمَرَاءُ يَأْمُرُونَكُمْ بِمَا لَا تَعْرِفُونَ وَيَفْعَلُونَ مَا تُنْكِرُونَ فَلَيْسَ لِأُولَئِكَ عَلَيْكُمْ طَاعَةٌ قَوْلُهُ عِنْدَكُمْ مِنَ اللَّهِ فِيهِ بُرْهَانٌ أَيْ نَصُّ آيَةٍ أَوْ خَبَرٌ صَحِيحٌ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ وَمُقْتَضَاهُ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِمْ مَا دَامَ فِعْلُهُمْ يَحْتَمِلُ التَّأْوِيلَ قَالَ النَّوَوِيُّ الْمُرَادُ بِالْكُفْرِ هُنَا الْمَعْصِيَةُ وَمَعْنَى الْحَدِيثِ لَا تُنَازِعُوا وُلَاةَ الْأُمُورِ فِي وِلَايَتِهِمْ وَلَا تَعْتَرِضُوا عَلَيْهِمْ إِلَّا أَنْ تَرَوْا مِنْهُمْ مُنْكَرًا مُحَقَّقًا تَعْلَمُونَهُ مِنْ قَوَاعِدِ الْإِسْلَامِ فَإِذَا رَأَيْتُمْ ذَلِكَ فَأَنْكِرُوا عَلَيْهِمْ وَقُولُوا بِالْحَقِّ حَيْثُمَا كُنْتُمْ انْتَهَى وَقَالَ غَيْرُهُ الْمُرَادُ بِالْإِثْمِ هُنَا الْمَعْصِيَةُ وَالْكُفْرُ فَلَا يُعْتَرَضُ عَلَى السُّلْطَانِ إِلَّا إِذَا وَقَعَ فِي الْكُفْرِ الظَّاهِرِ وَالَّذِي يَظْهَرُ حَمْلُ رِوَايَةِ الْكُفْرِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِي الْوِلَايَةِ فَلَا يُنَازِعُهُ بِمَا يَقْدَحُ فِي الْوِلَايَةِ إِلَّا إِذَا ارْتَكَبَ الْكُفْرَ وَحَمْلُ رِوَايَةِ الْمَعْصِيَةِ عَلَى مَا إِذَا كَانَتِ الْمُنَازَعَةُ فِيمَا عَدَا الْوِلَايَةِ فَإِذَا لَمْ يَقْدَحْ فِي الْوِلَايَةِ نَازَعَهُ فِي الْمَعْصِيَةِ بِأَنْ يُنْكِرَ عَلَيْهِ بِرِفْقٍ وَيَتَوَصَّلَ إِلَى تَثْبِيتِ الْحَقِّ لَهُ بِغَيْرِ عُنْفٍ وَمَحَلُّ ذَلِكَ إِذَا كَانَ قَادِرًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ وَنقل بن التِّينِ عَنِ الدَّاوُدِيِّ قَالَ الَّذِي عَلَيْهِ الْعُلَمَاءُ فِي أُمَرَاءِ الْجَوْرِ أَنَّهُ إِنْ قَدَرَ عَلَى خَلْعِهِ بِغَيْرِ فِتْنَةٍ وَلَا ظُلْمٍ وَجَبَ وَإِلَّا فَالْوَاجِبُ الصَّبْرُ وَعَنْ بَعْضِهِمْ لَا يَجُوزُ عَقْدُ الْوِلَايَةِ لِفَاسِقٍ ابْتِدَاءً فَإِنْ أَحْدَثَ جَوْرًا بَعْدَ أَنْ كَانَ عَدْلًا فَاخْتَلَفُوا فِي جَوَازِ الْخُرُوجِ عَلَيْهِ وَالصَّحِيحُ الْمَنْعُ إِلَّا أَنْ يَكْفُرَ فَيَجِبُ الْخُرُوجُ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ السَّادِسُ حَدِيثُ أَنَسٍ عَنْ أُسَيْدِ بْنِ حُضَيْرٍ ذَكَرَهُ مُخْتَصَرًا وَقَدْ تَقَدَّمَ بِتَمَامِهِ مَشْرُوحًا فِي مَنَاقِبِ الْأَنْصَارِ وَالسِّرُّ فِي جَوَابِهِ عَنْ طَلَبِ الْوِلَايَةِ بِقَوْلِهِ سَتَرَوْنَ بَعْدِي أَثَرَةً إِرَادَةُ نَفْيِ ظَنِّهِ أَنَّهُ آثَرَ الَّذِي وَلَّاهُ عَلَيْهِ فَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ ذَلِكَ لَا يَقَعُ فِي زَمَانِهِ وَأَنَّهُ لَمْ يَخُصَّهُ بِذَلِكَ لِذَاتِهِ بَلْ لِعُمُومِ مَصْلَحَةِ الْمُسْلِمِينَ وَأَنَّ الِاسْتِئْثَارَ لِلْحَظِّ الدُّنْيَوِيِّ إِنَّمَا يَقَعُ بَعْدَهُ وَأَمَرَهُمْ عِنْدَ وُقُوع ذَلِك بِالصبرِ

الصفحة 8