كتاب فتح الباري لابن حجر (اسم الجزء: 13)

(قَوْلُهُ بَابُ ذِكْرِ الدَّجَّالِ)
هُوَ فَعَّالٌ بِفَتْحِ أَوَّلِهِ وَالتَّشْدِيدِ مِنَ الدَّجَلِ وَهُوَ التَّغْطِيَةُ وَسُمِّيَ الْكَذَّابُ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِبَاطِلِهِ وَيُقَالُ دَجَلَ الْبَعِيرَ بِالْقَطِرَانِ إِذَا غَطَّاهُ وَالْإِنَاءَ بِالذَّهَبِ إِذَا طَلَاهُ وَقَالَ ثَعْلَبٌ الدَّجَّالُ الْمُمَوَّهُ سَيْفٌ مدجل إِذا طلي وَقَالَ بن دُرَيْدٍ سُمِّيَ دَجَّالًا لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْحَقَّ بِالْكَذِبِ وَقِيلَ لِضَرْبِهِ نَوَاحِيَ الْأَرْضِ يُقَالُ دَجَلَ مُخَفَّفًا وَمُشَدَّدًا إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ وَقِيلَ بَلْ قِيلَ ذَلِكَ لِأَنَّهُ يُغَطِّي الْأَرْضَ فَرَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ وَقَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِي التَّذْكِرَةِ اُخْتُلِفَ فِي تَسْمِيَتِهِ دَجَّالًا عَلَى عَشَرَةِ أَقْوَالٍ وَمِمَّا يُحْتَاجُ إِلَيْهِ فِي أَمر الدَّجَّال أَصله وَهل هُوَ بن صَيَّادٍ أَوْ غَيْرُهُ وَعَلَى الثَّانِي فَهَلْ كَانَ مَوْجُودًا فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ لَا وَمَتَى يَخْرُجُ وَمَا سَبَبُ خُرُوجِهِ وَمِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ وَمَا صِفَتُهُ وَمَا الَّذِي يَدَّعِيهِ وَمَا الَّذِي يَظْهَرُ عِنْدَ خُرُوجِهِ مِنَ الْخَوَارِقِ حَتَّى تَكْثُرَ أَتْبَاعُهُ وَمَتَى يَهْلِكُ وَمَنْ يَقْتُلُهُ فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي كِتَابِ الِاعْتِصَامِ فِي شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ انه كَانَ يحلف ان بن صَيَّادٍ هُوَ الدَّجَّالُ وَأَمَّا الثَّانِي فَمُقْتَضَى حَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ فِي قِصَّةِ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ الَّذِي أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا فِي الْعَهْدِ النَّبَوِيِّ وَأَنَّهُ مَحْبُوسٌ فِي بَعْضِ الْجَزَائِرِ وَسَيَأْتِي بَيَانُ ذَلِكَ عِنْدَ شَرْحِ حَدِيثِ جَابِرٍ أَيْضًا وَأَمَّا الثَّالِثُ فَفِي حَدِيثِ النَّوَّاسِ عِنْدَ مُسْلِمٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ عِنْدَ فَتْحِ الْمُسْلِمِينَ الْقُسْطَنْطِينِيَّةَ وَأَمَّا سَبَبُ خُرُوجِهِ فَأَخْرَجَ مُسْلِمٌ فِي حَدِيثِ بن عُمَرَ عَنْ حَفْصَةَ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ غَضْبَةٍ يَغْضَبهَا وَأَمَّا مِنْ أَيْنَ يَخْرُجُ فَمِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ جَزْمًا ثُمَّ جَاءَ فِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ خُرَاسَانَ أَخْرَجَ ذَلِكَ أَحْمَدُ وَالْحَاكِمُ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرٍ وَفِي أُخْرَى أَنَّهُ يَخْرُجُ مِنْ أَصْبَهَانَ أَخْرَجَهَا مُسْلِمٌ وَأَمَّا صِفَتُهُ فَمَذْكُورَةٌ فِي أَحَادِيثِ الْبَابِ وَأَمَّا الَّذِي يَدَّعِيهِ فَإِنَّهُ يَخْرُجُ أَوَّلًا فَيَدَّعِي الْإِيمَانَ وَالصَّلَاحَ ثُمَّ يَدَّعِي النُّبُوَّةَ ثُمَّ يَدَّعِي الْإِلَهِيَّةَ كَمَا أَخْرَجَ الطَّبَرَانِيُّ مِنْ طَرِيقِ سُلَيْمَانَ بْنِ شِهَابٍ قَالَ نَزَلَ عَلَيَّ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُعْتَمِرِ وَكَانَ صَحَابِيًّا فَحَدَّثَنِي عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ الدَّجَّالُ لَيْسَ بِهِ خَفَاءٌ يَجِيءُ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ فَيَدْعُو إِلَى الدِّينِ فَيُتَّبَعُ وَيَظْهَرُ فَلَا يَزَالُ حَتَّى يَقْدَمَ الْكُوفَةَ فَيُظْهِرَ الدِّينَ وَيَعْمَلَ بِهِ فَيُتَّبَعَ وَيَحُثَّ عَلَى ذَلِكَ ثُمَّ يَدَّعِي أَنَّهُ نَبِيٌّ فَيَفْزَعُ مِنْ ذَلِكَ كُلُّ ذِي لُبٍّ وَيُفَارِقُهُ فَيَمْكُثُ بَعْدَ ذَلِكَ فَيَقُولُ أَنَا اللَّهُ فَتُغْشَى عَيْنُهُ وَتُقْطَعُ أُذُنُهُ وَيُكْتَبُ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ فَلَا يَخْفَى عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ فَيُفَارِقُهُ كُلُّ أَحَدٍ مِنَ الْخَلْقِ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ خَرْدَلٍ مِنْ إِيمَانٍ وَسَنَدُهُ ضَعِيفٌ تَنْبِيهٌ اشْتَهَرَ السُّؤَالُ عَنِ الْحِكْمَةِ فِي عَدَمِ التَّصْرِيحِ بِذِكْرِ الدَّجَّالِ فِي الْقُرْآنِ مَعَ مَا ذُكِرَ عَنْهُ مِنَ الشَّرِّ وَعِظَمِ الْفِتْنَةِ بِهِ وَتَحْذِيرِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْهُ وَالْأَمْرِ بِالِاسْتِعَاذَةِ مِنْهُ حَتَّى فِي الصَّلَاةِ وَأُجِيبَ بِأَجْوِبَةٍ أَحَدُهَا أَنَّهُ ذُكِرَ فِي قَوْلِهِ يَوْمَ يَأْتِي بَعْضُ آيَاتِ رَبِّكَ لَا يَنْفَعُ نَفْسًا ايمانها فَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَفَعَهُ ثَلَاثَةٌ إِذَا خَرَجْنَ لَمْ يَنْفَعْ نَفْسًا

الصفحة 91