كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 13)

دليلنا قوله تعالى (حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رشدا فادفعوا إليهم أموالهم) وقد بينا الرشد ما هو، وهذا لم يؤنس منه الرشد فلم يفك عنه الحجر ولم يدفع إليه ماله، كما لو كان ابن أربع وعشرين سنة.
وأما قوله إنه آن له أن يصير جدا فلا اعتبار بكونه جدا، ألا ترى ان المجنون يستدام عليه الحجر مادام مجنونا، وان كان جدا، إذا ثبت هذا فإنه ينظر في ماله من كان ينظر فيه قبل البلوغ، لانه حجر ثبت عليه من غير حاكم فكان إلى الناظر فيه قبل البلوغ، كالنظر في مال الصغير (فرع)
وأما إصلاح المال فلا يعلم إلا بالاختبار، وفى وقت الاختبار وجهان (احدهما) لا يصح إلا بعد البلوغ، لان الاختبار أن يدفع إليه المال ليبيع ويشترى فيه وينفقه.
وهذا لا يصح إلا بعد البلوغ، فأما قبل هذا فهو محجور عليه للصغير والثانى يصح لقوله تعالى (وابتلوا اليتامى الخ) وهذا يقتضى أن يكون الاختبار قبل بلوغ النكاح ولان تأخير الاختبار إلى البلوغ يؤدى إلى الحجر على رشيد، لانه قد يبلغ مصلحا لماله ودينه، فلو قلنا: إن الاختيار لا يجوز الا بعد البلوغ لاستديم الحجر على رشيد ومنع من ماله، لانه لا يدفع إليه إلا بعد الاختبار
فإذا قلنا بهذا فكيف يختبر بالبيع والشراء؟ فيه ثلاثة أوجه: (أحدها) يأمره الولى أن يساوم في السلع ويقدر الثمن، وليس العقد، لان عقد الصبى لا يصح، ولكن يعقد الولى، ومنهم من قال يشترى الولى سلعة ويدعها بيد البائع ويواطؤه على بيعها من الصبى، فإن اشتراها منه بثمنها عرف رشده.
ومنهم من قال يجوز عقد الصبى لانه موضع ضرورة.
وأما كيفية الاختبار فان كان من أولاد التجار واصحاب المهن الذين يخرجون إلى السوق، فاختباره أن يدفع إليه شئ من ماله ليبيع ويشترى في السوق، أو تترك له مناسبة يباشر فيها مهنة أبيه مستقلا تحت نظر الولى واشرافه، فان كان ضابطا جازما في البيع والشراء والحرفة دل على رشده، وان عيى عما لا يتغابن الناس بمثله فهو غير رشيد.

الصفحة 369