كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 13)

ومن الناس من يرى أن الصبى إذا بلغ وهو يفرط في إنفاق المال في وجوه الخير من الصدقات ونحوها يكون سفيها لذلك، والصحيح أنه لا يكون بذلك سفيها.
ومن الناس من يرى أن الرشد هو الصلاح في المال فقط.
وعندنا ليس كذلك، بل لابد من الصلاح في الدين والمال، وخالف فيه بعض أصحابنا وجماعة من العلماء ومن السفه ما يكون طارئا ومنه ما يكون مستداما، والشاهد قد يكون عاميا وقد يكون فقيها ويرى سفها ما ليس بسفه عند القاضى.
وكذلك الرشد.
فكيف
تقبل شهادته مطلقة.
فينبغي أن لا تقبل الشهادة بالسفه حتى يبين سببه، ولا بالرشد حتى يبين أنه مصلح لدينه وماله كما هي عادة المحاضر التى تكتب بالرشد.
وقال الماوردى: إذا أقر الراهن والمرتهن عند شاهدين أن يؤديا ما سمعاه مشروحا فلو أرادا أن لا يشرحا بل شهدا أنه رهن بألفين، فإن لم يكونا من أهل الاجتهاد لم يجز، وكذا إن كانا من أهل الاجتهاد في الاصح، لان الشاهد ناقل، والاجتهاد إلى الحاكم وقال ابن ابى الدم: الذى تلقيته من كلام المراوزة وفهمته من مدارج مباحثاتهم المذهبية أن الشاهد ليس له أن يرتب الاحكام على أسبابها، بل وظيفته نقل ما سمعه أو شاهده، فهو سفير إلى الحاكم فيما ينقله من قول سمعه أو فعل رآه، وقد اختلف أصحابنا في الشهادة بالردة، هل تقبل مطلقة أو لابد من البيان، والمختار عندي أنه لابد من البيان وفاقا للغزالي لاختلاف المذاهب في التكفير، ولجهل كثير من الناس، وإن كان الرافعى رجح قبولها مطلقة لظهور أسباب للكفر.
وهذه العلة لا يأتي مثلها في السفه والرشد فيترجح أنه لابد من البيان كالجرح، وليس الرشد كالتعديل حتى يقبل مطلقا، نعم هو مثله في الاكتفاء في الاطلاق في صلاح الدين، والاطلاق في صلاح المال لعسر التفصيل فيه.
أما إطلاق الرشد من غير بيان الدين والمال فلا يكفى، وبعد أن أوضح العلامة رحمه الله تقديم بينة الرشد على بينة السفه مقيدة بالتاريخ قال: وأما إذا قبلناها مطلقة فالذي بحثه الولد - يعنى ابنه - صحيح.
ويشهد له ما قاله الشيخ تقى الدين أبو عمرو بن الصلاح رحمه الله في فتاويه في ثلاث مسائل متجاورة في

الصفحة 371