كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 13)

(الشرح) الاحكام: إذا ادعى عليه عينا في يده أو دينا في ذمته فأنكره
المدعى عليه ثم صالحه على عين أو دين في ذمته لم يصح الصلح بلا خلاف على المذهب، لانه ابتاع ملكه، وإن ادعى عليه ألف درهم في ذمته، فأنكره، ثم صالحه على خمسمائة منها وقلنا: يصح صلح الحطيطه فهل يصح هذا الصلح؟ فيه وجهان حكاهما في الابانة.

(أحدهما)
لا يصح، لانه صلح على الانكار فلم يصح، كما لو ادعى عليه عينا فأنكره
(والثانى)
يصح، والفرق بينهما أن في صلح المعاوضة يحتاج إلى ثبوت العوضين برضى المتعاقدين وليس العين المدعى بها ثابتة للمدعى حتى يأخذ عليها عوضا، وههنا هو إبراء فلا يحتاج إلى رضاء صاحبه، هذا مذهبنا، وأن الصلح على الانكار لا يصح.
وقال ابن أبى ليلى: إن أنكره لم يصح الصلح، وإن سكت صح الصلح.
دليلنا: قوله تعالى " لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل " والصلح على الانكار من أكل المال بالباطل، لان من ادعى على غيره دارا في يده فأنكر ذلك المدعى عليه ثم صالحه عنها بعوض فقد ابتاع ماله بماله، وهذا لا يجوز، وَرُوِيَ إنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لبلال بن الحارث " يا بلال اعلم أن الصلح جائز بين المسلمين إلا صلحا حرم حلالا أو أحل حراما ".
وهذا المدعى لا يخلو إما أن يكون كاذبا أو صادقا، فان كان كاذبا فهذا الصلح الذى يصالح به يحل له ما هو حرام عليه، وإن كان صادقا فانه يستحق جميع ما يدعيه، فإذا أخذ بعضه بالصلح فالصلح حرم عليه الباقي الذى كان حلالا له، فوجب أن لا يجوز، هكذا ذكر الشيخ أبو حامد، ولان البيع لا يجوز مع الانكار وهو أن يدعى عينا في يد غيره فينكره فيبيعها من غيره، فان البيع لا يصح، فكذلك الصلح.
إذا ثبت هذا: فادعى على رجل ألفا في ذمته فأنكره عنها، ثم ان المدعى
أبرأه منها صحت البراءة، وهل يشترط في صحة البراءة القبول؟ على وجهين يأتي ذكرهما فيما بعد ان شاء الله تعالى.

الصفحة 390