كتاب المجموع شرح المهذب (اسم الجزء: 13)

ملك المدعى ما يأخذه وانقطع حقه من العين، وهل يملك المدعى عليه العين المدعى بها، ينظر فيه، فإن كان قد وكل الأجنبي ملك العين، فان كان الأجنبي قد دفع العوض من مال نفسه باذن المدعى عليه، وإن دفع بغير إذنه لم يرجع عليه كالدين، لانه متطوع، لانه إنما أذن له في العقد دون الدفع.
وإن كان المدعى عليه لم يوكل الأجنبي في الصلح فهل يملك العين؟ فيه وجهان المنصوص أنه لا يملكها.
وحكى أبو على في الافصاح أنه يملكها كما قال الشافعي رضى الله عنه إذا اشترى رجل أرضا وبناها مسجدا، وجاء رجل فادعاها، فان صدقه لزمه قيمتها، وإن كذبه فجاء رجل من جيران المسجد فصالحه صح الصلح لانه بذل مال على وجه البر.
قال العمرانى في البيان: وهذا ليس بصحيح لانه لا يجوز أن يملك غيره بغير ولاية ولا وكالة، قال: فعلى هذا يكون الصلح باطلا
في الباطن، صحيحا في الظاهر.
(قلت) وأما المسألة المذكورة في المسجد فلا تشبه هذه، لان الواجب على المدعى عليه القيمة، لانه قد وقفها، ويجوز الصلح عما في ذمة غيره بغير إذنه كما سبق أن بينا ذلك.
وإن قال الأجنبي للمدعى: المدعى عليه منكر لك ولكن صالحني عما ادعيت لتكون العين له.
فهل يصح الصلح؟ قال المسعودي: فيه وجهان.
وأما إذا قال الأجنبي: أنت صادق في دعواك، فصالحني لتكون هذه العين إلى فانى قادر على انتزاعها فيصح الصلح كما يصح أن تبتاع شيئا في يد غاصب، فان قدر الأجنبي على انتزاعها استقر الصلح، وان لم يقدر كان له الخيار في فسخ الصلح، كمن ابتاع عينا في يد غاصب ولم يقدر على انتزاعها.
إذا ثبت هذا: فان المدعى عليه قد وكل الأجنبي في أن يصالح عنه، فهل يصح هذا التوكيل وهذا الصلح فيما بينه وبين الله تعالى؟ اختلف أصحابنا فيه، فقال أبو العباس لا يجوز له الانكار لانه كاذب، الا أنه يجوز له بعد ذلك أن يوكل ليصالح عنه على ما ذكرناه، قال المصنف: لا يجوز له ذلك بل يلزمه الاقرار به لصاحبه، ولا يجوز له الوكالة لمصالحة عنه إذا غصب العين أو اشتراها من غاصب وهو يعلم ذلك.

الصفحة 393