كتاب عون المعبود وحاشية ابن القيم (اسم الجزء: 13)

فَظَهَرَ أَنَّ الْجَشِيشَةَ بِالْجِيمِ وَالْحَشِيشَةَ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ كِلَاهُمَا بِمَعْنًى وَاحِدٍ (فَجَاءَتْ بِحَيْسَةٍ) بِفَتْحِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَسُكُونِ التَّحْتِيَّةِ طَعَامٌ يُتَّخَذُ مِنْ تَمْرٍ وَسَوِيقٍ وَأَقِطٍ وَسَمْنٍ (مِثْلَ الْقَطَاةِ) بِفَتْحِ الْقَافِ ضَرْبٌ مِنَ الْحَمَامِ وَكَأَنَّهُ شُبِّهَ فِي الْقِلَّةِ قَالَهُ السِّنْدِيُّ
قُلْتُ وَيَحْتَمِلُ أَنَّهُ شَبَّهَ عَائِشَةَ بِالْقَطَاةِ بِالصِّدْقِ وَالْوَفَاءِ وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ الْأَمْثَالَ بِالْقَطَاةِ
قَالَ الْعَلَّامَةُ الدَّمِيرِيُّ الْقَطَا طَائِرٌ مَعْرُوفٌ وَاحِدُهُ قطاة والجمع قطوات
قال بن قُتَيْبَةَ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالرَّافِعِيُّ مِنَ الْفُقَهَاءِ إِنَّ الْقَطَا مِنَ الْحَمَامِ
وَتُوصَفُ الْقَطَا بِالْهَدَايَا وَالْعَرَبُ تَضْرِبُ بِهَا الْمَثَلَ فِي ذَلِكَ لِأَنَّهَا تَبِيضُ فِي الْقَفْرِ وَتَسْقِي أَوْلَادَهَا مِنَ الْبُعْدِ فِي اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ فَتَجِيءُ فِي اللَّيْلَةِ الْمُظْلِمَةِ وَفِي حَوَاصِلِهَا الْمَاءُ فَإِذَا صَارَتْ حِيَالَ أَوْلَادِهَا صَاحَتْ قَطَا قَطَا فَلَمْ تَخُطَّ بِلَا عِلْمٍ وَلَا إِشَارَةٍ وَلَا شَجَرَةٍ
فَسُبْحَانَ مَنْ هَدَاهَا لِذَلِكَ
وَقَالَ أَبُو زِيَادٍ الْكُلَابِيُّ إِنَّ الْقَطَا تَطْلُبُ الْمَاءَ مِنْ مَسِيرَةِ عِشْرِينَ لَيْلَةً وَفَوْقَهَا وَدُونَهَا
قَالَ الدَّمِيرِيُّ وَالْعَرَبُ تَصِفُ الْقَطَا بِحُسْنِ الْمَشْيِ لِتَقَارُبِ خُطَاهَا وَمَشْيُهَا يُشْبِهُ مَشْيَ النِّسَاءِ الخفرات بمشيتهن
وروى بن حبان وغيره من حديث أبي ذر وبن مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ مَنْ بَنَى لِلَّهِ مَسْجِدًا وَلَوْ كَمَفْحَصِ قَطَاةٍ بَنَى اللَّهُ تَعَالَى لَهُ فِي الْجَنَّةِ بَيْتًا وَخُصَّتِ الْقَطَاةُ بِهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَبِيضُ فِي شَعْرٍ وَلَا عَلَى رَأْسِ جَبَلٍ إِنَّمَا تَجْعَلُ مُجَثَّمَهَا عَلَى بَسِيطِ الْأَرْضِ دُونَ سَائِرِ الطُّيُورِ فَذَلِكَ شَبَّهَ بِهِ الْمَسْجِدَ وَلِأَنَّهَا تُوصَفُ بِالصِّدْقِ كَمَا تَقَدَّمَ فَكَأَنَّهُ أَشَارَ بِذَلِكَ إِلَى الْإِخْلَاصِ فِي بِنَائِهِ
وَقِيلَ خَرَجَ ذَلِكَ مَخْرَجَ التَّرْغِيبِ بِالْقَلِيلِ عَنِ الْكَثِيرِ كَمَا خَرَجَ مَخْرَجَ التَّحْذِيرِ بِالْقَلِيلِ عَنِ الْكَثِيرِ قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَعَنَ اللَّهُ السَّارِقَ يَسْرِقُ الْبَيْضَةَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ وَيَسْرِقُ الْحَبْلَ فَتُقْطَعُ يَدُهُ انْتَهَى كَلَامُهُ مُلَخَّصًا (فَجَاءَتْ بِعُسٍّ) بِضَمِّ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ السِّينِ قَدَحٌ ضَخْمٌ (مِنَ السَّحَرِ) قَالَ فِي الْمِرْقَاةِ بِفَتْحَتَيْنِ وَفِي نُسْخَةٍ بِسُكُونِ الثَّانِي وَهُوَ الرِّئَةُ انْتَهَى يُقَالُ بِالْفَارِسِيَّةِ شش
قَالَ فِي الْمِصْبَاحِ السَّحَرُ الرِّئَةُ وقيل مالصق بِالْحُلْقُومِ وَالْمَرِيءِ مِنْ أَعْلَى الْبَطْنِ وَقِيلَ هُوَ كُلُّ مَا تَعَلَّقَ بِالْحُلْقُومِ مِنْ قَلْبٍ وَكَبِدٍ وَرِئَةٍ وَفِيهِ ثَلَاثُ لُغَاتٍ عَلَى وَزْنِ فَلْسٍ وَسَبَبٍ وَقُفْلٍ وَجَمْعُ الْأُولَى سُحُورٌ مِثَالُ فَلْسٍ وَفُلُوسٍ وَجَمْعُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ أَسْحَارٌ انْتَهَى

الصفحة 260