كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 13)

وصدق الله إذ يقول: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الْأَرْضِ، تَخافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ، فَآواكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ، وَرَزَقَكُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ. لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ «1» .
قال صاحب الكشاف: «وهذا مثل ضربه الله- تعالى- لبدء أمر الإسلام وترقيه في الزيادة إلى أن قوى واستحكم. لأن النبي صلّى الله عليه وسلّم قام وحده، ثم قواه الله- تعالى- بمن معه. كما يقوى الطاقة الأولى من الزرع ما يحتف بها مما يتولد منها، حتى يعجب الزراع» «2» .
وعلى هذا التفسير الذي سرنا عليه يكون وصفهم في التوراة، هو المعبر عنه بقوله- تعالى-: أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَماءُ بَيْنَهُمْ.. ويكون وصفهم في الإنجيل هو المعبر عنه بقوله- سبحانه-: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ....
ولا شك أن هذه الأوصاف كانت موجودة في الكتابين قبل أن يحرفا ويبدلا، بل بعض هذه الأوصاف موجودة في الكتابين، حتى بعد تحريفهما.
فقد أخرج بن جرير وعبد بن حميد عن قتادة قال: «مكتوب في الإنجيل سيخرج قوم ينبتون نبات الزرع، يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر..» «3» .
ويرى بعض المفسرين أن المذكور في التوراة والإنجيل شيء واحد، وهو الوصف المذكور إلى نهاية قوله: وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ وعلى هذا الرأى يكون الوقف تاما على هذه الجملة، وما بعدها وهو قوله: كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ.. كلام مستأنف.
قال القرطبي: «قوله- تعالى-: ذلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْراةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ.. قال الفراء: فيه وجهان: إن شئت قلت: المعنى: ذلك مثلهم في التوراة وفي الإنجيل أيضا، كمثلهم في القرآن، فيكون الوقف على «الإنجيل» .
وإن شئت قلت: تمام الكلام: ذلك مثلهم في التوراة. ثم ابتدأ فقال: ومثلهم في الإنجيل.
وكذا قال ابن عباس وغيره: هما مثلان، أحدهما في التوراة، والآخر في الإنجيل ... » «4» .
والذي نراه أن ما ذهب إليه ابن عباس من كونهما مثلين، أحدهما مذكور في التوراة والآخر في الإنجيل، هو الرأى الراجح، لأن ظاهر الآية يشهد له.
وفي هذه الصفات ما فيها من رسم صورة مشرقة مضيئة لهؤلاء المؤمنين الصادقين.
__________
(1) سورة الأنفال الآية 26.
(2) تفسير الكشاف ج 4 ص 348.
(3) راجع تفسير سورة الفتح ص 160 لفضيلة استأذنا الشيخ أحمد الكومى.
(4) تفسير القرطبي ج 16 ص 294. [.....]

الصفحة 289