كتاب التفسير الوسيط لطنطاوي (اسم الجزء: 13)

الأمور والأخبار ويتثبت من صحتها ثم يحكم، وقد حبب الله- تعالى- إلى كثير منكم الإيمان المصحوب بالعمل الصالح والقول الطيب وزينه وحببه في قلوبكم، وكره وبغض إليكم الكفر والفسوق والعصيان لكل ما أمر به أو نهى عنه.
ورحم الله صاحب الكشاف فقد أجاد عند تفسير هذه الآية، فقال ما ملخصه: قوله:
لَوْ يُطِيعُكُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ أى: لوقعتم في العنت والهلاك.. وهذا يدل على أن بعض المؤمنين زينوا للرسول صلّى الله عليه وسلّم الإيقاع ببني المصطلق ... وأن بعضهم كانوا يتصونون ويزعهم جدهم في التقوى عن الجسارة على ذلك، وهم الذين استثناهم- سبحانه- بقوله:
وَلكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمانَ أى إلى بعضكم، ولكنه أغنت عن ذكر البعض صفتهم المفارقة لصفة غيرهم، وهذا من إيجازات القرآن، ولمحاته اللطيفة، التي لا يفطن لها إلا الخواص.
فإن قلت: كيف موقع لكِنَّ وشريطتها مفقودة من مخالفة ما بعدها لما قبلها نفيا وإثباتا؟
قلت: هي مفقودة من حيث اللفظ، حاصلة من حيث المعنى، لأن الذين حبب إليهم الإيمان قد غايرت صفتهم المتقدم ذكرهم، فوقعت لكن في موقعها من الاستدراك «1» .
واسم الإشارة في قوله: أُولئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ يعود إلى المؤمنين الصادقين، الذين حبب الله- تعالى- إليهم الإيمان وزينه في قلوبهم.
أى: أولئك المتصفون بتلك الصفات الجليلة، هم الثابتون على دينهم، المهتدون إلى طريق الرشد والصواب، إذ الرشد هو الاستقامة على طريق الحق، مع الثبات عليه، والتصلب فيه، والتمسك به في كل الأحوال.
وقوله- سبحانه-: فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً.. تعليل لما منّ به- سبحانه- عليهم من تزيين الإيمان في قلوبهم. أى: فعل ما فعل من تحبيب الإيمان إليكم، ومن تبغيض الكفر إلى قلوبكم، لأجل فضله عليكم، ورحمته بكم، وإنعامه عليكم بالنعم التي لا تحصى.
وَاللَّهُ- تعالى- عَلِيمٌ بكل شيء حَكِيمٌ في كل أفعاله وأقواله وتصرفاته.
وبذلك نرى الآيات الكريمة، قد رسمت للمؤمنين أحكم الطرق في تلقى الأخبار، وأرشدتهم إلى مظاهر فضله عليهم، لكي يستمروا على شكرهم له وطاعتهم لرسله.
__________
(1) راجع تفسير الكشاف ج 4 ص 362.

الصفحة 307