كتاب الدرر السنية في الأجوبة النجدية (اسم الجزء: 13)

وأما قوله: {أَنْ تَبَرُّوهُمْ} فقد قال بعض المعربين: إنه من الموصول بدل اشتمال، وأن ما دخلت عليه في تأويل مصدر، والتقدير {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ} [سورة الممتحنة آية: 8] بر من لم يقاتل في الدين; ولو قال هذا البعض: إنه بدل بدء، لكان أظهر، إذ لا يظهر الاشتمال بأنواعه التسعة.
هذا، والأظهر عندي أن لا بدل مطلقا، وأن الموصول معمول للمصدر المتأخر المأخوذ من أن وما دخلت عليه ; فالموصول إذا في محل نصب بالمصدر المسبوك، وتأخر العامل لا يضر، وما على البدلية، فهو في محل جر.
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ} [سورة الممتحنة آية: 8] أكد الجملة هنا لمناسبة مقتضى الحال، إذ المقام مظنة لغلط الأكثر، ولتوهم خلاف المراد؛ فاقتضى التأكيد، والتوفية بالأداة، كما يعلم من فن المعاني; وقوله: {فِي الدِّينِ} في سببيه كما في قوله: " دخلت النار امرأة في هرة " 1 الحديث.
وسبب النّزول: ما رواه الإمام أحمد في مسنده، حدثنا أبو معاوية، حدثنا هشام بن عروة، عن فاطمة بنت المنذر، عن أسماء بنت أبي بكر رضي الله عنها، قالت: " قدمت أمي - وهي مشركة في عهد قريش إذ عاهدوا - فأتيت النبي صلى الله عليه وسلم فقلت: يا رسول الله، إن أمي قدمت وهي راغبة، أفأصلها؟ قال: نعم صلي أمك " 2 وهذا الحديث أخرجه البخاري ومسلم.
__________
1 البخاري: بدء الخلق (3318) ، ومسلم: التوبة (2619) ، وابن ماجه: الزهد (4256) ، وأحمد (2/457) .
2 البخاري: الهبة وفضلها والتحريض عليها (2620) ، ومسلم: الزكاة (1003) ، وأبو داود: الزكاة (1668) ، وأحمد (6/344) .

الصفحة 416