كتاب عمدة القاري شرح صحيح البخاري (اسم الجزء: 13)

وَقَالَ الأعْمَشُ عنْ سالِمٍ عنْ جابرٍ وَقِيَّة ذَهَبٍ
أَي: قَالَ سُلَيْمَان الْأَعْمَش فِي رِوَايَة عَن سَالم ابْن أبي الْجَعْد عَن جَابر وقية ذهب، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله مُسلم وَأحمد وَغَيرهمَا هَكَذَا.
وَقَالَ أبُو إسْحَاقَ عنْ سالِمٍ عَنْ جابِرِ بمائَتَيْ دِرْهَمٍ
أَبُو إِسْحَاق عَمْرو بن عبد الله السبيعِي، وَسَالم مر الْآن، وَلم تخْتَلف نسخ البُخَارِيّ أَنه قَالَ: (بِمِائَتي دِرْهَم) ، وَقَالَ النَّوَوِيّ فِي بعض الرِّوَايَات للْبُخَارِيّ: (ثَمَان مائَة دِرْهَم) ، وَالظَّاهِر أَنه تَصْحِيف.
وَقَالَ داوُدُ بنُ قَيْسٍ عنْ عُبَيْدِ الله بنِ مِقسَمٍ عنْ جابرٍ اشْتَراهُ بِطَرِيقِ تَبُوكَ أحْسِبُهُ قَالَ بأرْبَعِ أوَاقٍ
دَاوُد بن قيس الْفراء الدّباغ الْمَدِينِيّ أَبُو سُلَيْمَان وَعبيد الله بن مقسم، بِكَسْر الْمِيم وَسُكُون الْقَاف الْقرشِي الْمدنِي، وَهَذِه الرِّوَايَات تصرح بِأَن قصَّة جَابر وَقعت فِي طَرِيق تَبُوك، فوافقه على ذَلِك عَليّ بن زيد بن جدعَان عَن أبي المتَوَكل عَن جَابر أَن رَسُول الله، صلى الله عَلَيْهِ وَسلم: (مر بجابر فِي غَزْوَة تَبُوك) ، فَذكر الحَدِيث، وَقد أخرجه البُخَارِيّ من وَجه آخر عَن أبي المتَوَكل عَن جَابر فَقَالَ: فِي بعض أَسْفَاره، وَلم يُعينهُ، وَكَذَا أبهمه أَكثر الروَاة عَن جَابر، وَمِنْهُم من قَالَ: كنت فِي سفر، وَمِنْهُم من قَالَ: كنت فِي غَزْوَة، وَلَا مُنَافَاة بَين هَاتين الرِّوَايَتَيْنِ وَجزم ابْن إِسْحَاق عَن وهب بن كيسَان فِي رِوَايَته أَن ذَلِك كَانَ فِي غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَكَذَلِكَ أخرجه الْوَاقِدِيّ من طَرِيق عَطِيَّة بن عبد الله بن أنيس عَن جَابر، وَيُؤَيّد هَذِه رِوَايَة الطَّحَاوِيّ: أَن ذَلِك وَقع فِي رجوعهم من طَرِيق مَكَّة إِلَى الْمَدِينَة، وَلَيْسَت طَرِيق تَبُوك ملاقية لطريق مَكَّة: بِخِلَاف غَزْوَة ذَات الرّقاع، وَجزم السُّهيْلي أَيْضا بِمَا قَالَه ابْن إِسْحَاق قَوْله: (بِأَرْبَع أَوَاقٍ) ، بِالتَّنْوِينِ، ويروى: بِأَرْبَع أواقي، بِالْيَاءِ الْمُشَدّدَة على الأَصْل فَخفف بِحَذْف أَحدهمَا ثمَّ أعل إعلال قاضٍ.
وَقَالَ أبُو نَضْرَةَ عَن جَابر اشْتَرَاهُ بِعِشْرِينَ دِيناراً

أَبُو نَضرة، بِفَتْح النُّون وَسُكُون الضَّاد الْمُعْجَمَة: واسْمه الْمُنْذر بن مَالك الْعَبْدي، مَاتَ سنة ثَمَان وَمِائَة، وَهَذَا التَّعْلِيق وَصله ابْن مَاجَه من طَرِيق الْجريرِي عَنهُ بِلَفْظ: فَمَا زَالَ يزيدني دِينَارا دِينَارا حَتَّى بلغ عشْرين دِينَارا، وَأخرجه مُسلم وَالنَّسَائِيّ من طَرِيق أبي نَضرة، وَلم يعين الثّمن.
وقَوْلُ الشَّعْبِيِّ بِوَقِيَّةٍ أكْثَرُ الإشْتِرَاطُ أكْثرُ وأصَحُّ عِنْدِي قالَهُ أبُو عَبْدِ الله

هَذَا كَلَام البُخَارِيّ، أَي: قَول عَامر الشّعبِيّ: بوقية، أَكثر من غَيره فِي الرِّوَايَات، وَوَقع فِي بعض النّسخ: بعد هَذَا الِاشْتِرَاط، أَكثر، وَأَصَح عِنْدِي قَالَه أَبُو عبد الله، وَقد مر هَذَا فِيمَا مضى عَن قريب، وَأَبُو عبد الله هُوَ البُخَارِيّ وَاعْلَم أَنَّك رَأَيْت فِي قصَّة جَابر هَذَا الِاخْتِلَاف فِي ثمن الْجمل الْمَذْكُور فِيهَا: فروى أُوقِيَّة وَرُوِيَ: (أَرْبَعَة دَنَانِير) ، وَرُوِيَ: أُوقِيَّة ذهب، وَرُوِيَ أَربع أَوَاقٍ، وَرُوِيَ: خمس أَوَاقٍ، وَرُوِيَ: مِائَتَا دِرْهَم، وروى: (عشرُون دِينَارا) هَذَا كُله فِي رِوَايَة البُخَارِيّ، وروى أَحْمد وَالْبَزَّار من حَدِيث أبي المتَوَكل عَن جَابر: (ثَلَاثَة عشر دِينَارا) ، وَهَذَا اخْتِلَاف عَظِيم، وَالثمن فِي نفس الْأَمر وَاحِد مِنْهَا، والرواة كلهم عدُول، فَقَالَ الْإِسْمَاعِيلِيّ: لَيْسَ اخْتلَافهمْ فِي قدر الثّمن بضائر، لِأَن الْغَرَض الَّذِي سيق الحَدِيث لأَجله بَيَان كرمه صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وتواضعه وحنوه على أَصْحَابه وبركة دُعَائِهِ وَغير ذَلِك، وَلَا يلْزم من وهم بَعضهم فِي قدر الثّمن توهين لأصل الحَدِيث.
وَقَالَ الْقُرْطُبِيّ: اخْتلفُوا فِي ثمن الْجمل اخْتِلَافا لَا يقبل التلفيق، وتكلَّف ذَلِك بعيد عَن التَّحْقِيق، وَهُوَ مَبْنِيّ على أَمر لم يَصح نَقله، وَلَا استقام ضَبطه، مَعَ أَنه لَا يتَعَلَّق بتحقيق ذَلِك حكم، وَإِنَّمَا يحصل من مَجْمُوع الرِّوَايَات أَنه بَاعه الْبَعِير بِثمن مَعْلُوم، بَينهمَا، وَزَاد عِنْد الْوَفَاء زِيَادَة مَعْلُومَة، وَلَا يضر عدم الْعلم بتحقيق ذَلِك. وَقَالَ الْكرْمَانِي فِي وَجه التَّوْفِيق: وقية الذَّهَب قد تَسَاوِي مِائَتي دِرْهَم المساوية لعشرين دِينَارا على حِسَاب الدِّينَار بِعشْرَة، وَأما وقية الْفضة فَهِيَ أَرْبَعُونَ درهما المساوية لأربعة دَنَانِير، وَأما أَرْبَعَة أَوَاقٍ فَلَعَلَّهُ اعْتبر اصْطِلَاح أَن كل وقية عشرَة دَرَاهِم، فَهِيَ أَيْضا وقية بالاصطلاح الأول، وَالْكل رَاجع

الصفحة 297