كتاب تفسير القرطبي (اسم الجزء: 13)
السِّمْسِمِ" ذَكَرَهُ رَزِينٌ فِي كِتَابِهِ، وَصَحَّحَهُ ابْنُ الْعَرَبِيِّ فِي قَبَسِهِ، وَقَالَ: أَيْ تَفْصِلُهُمْ عَنِ الْخَلْقِ فِي الْمَعْرِفَةِ كَمَا يَفْصِلُ الطَّائِرُ حَبَّ السِّمْسِمِ مِنَ التُّرْبَةِ. وَخَرَّجَهُ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ." يَخْرُجُ عُنُقٌ مِنَ النَّارِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَهُ عَيْنَانِ تُبْصِرَانِ وَأُذُنَانِ تَسْمَعَانِ ولسان ينطق بقول إني وكلت بثلاث بكل جبار عنيد وبكل مَنْ دَعَا مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَبِالْمُصَوِّرِينَ". وَفِي الْبَابِ عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ أَبُو عِيسَى: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ غَرِيبٌ صَحِيحٌ. وَقَالَ الْكَلْبِيُّ: سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا كَتَغَيُّظِ بَنِي آدَمَ وَصَوْتًا كَصَوْتِ الْحِمَارِ. وَقِيلَ: فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ، سَمِعُوا لَهَا زَفِيرًا وَعَلِمُوا لَهَا تَغَيُّظًا. وَقَالَ قُطْرُبٌ: التَّغَيُّظُ لَا يُسْمَعُ، وَلَكِنْ يُرَى، وَالْمَعْنَى: رَأَوْا لَهَا تَغَيُّظًا وَسَمِعُوا لَهَا زَفِيرًا، كَقَوْلِ الشاعر:
ورأيت زوجك في الورى «1» ... مُتَقَلِّدًا سَيْفًا وَرُمْحًا
أَيْ وَحَامِلًا رُمْحًا. وَقِيلَ:" سَمِعُوا لَها" أَيْ فِيهَا، أَيْ سَمِعُوا فِيهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا لِلْمُعَذَّبِينَ. كَمَا قَالَ تَعَالَى:" لَهُمْ فِيها زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ «2» " وَ" فِي وَاللَّامُ" يَتَقَارَبَانِ، تَقُولُ: أَفْعَلُ هَذَا فِي اللَّهِ وَلِلَّهِ. قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَإِذا أُلْقُوا مِنْها مَكاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ) قَالَ قَتَادَةُ: ذُكِرَ لَنَا أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ كَانَ يَقُولُ: إِنَّ جَهَنَّمَ لَتُضَيَّقُ عَلَى الْكَافِرِ كَتَضْيِيقِ الزَّجِّ «3» عَلَى الرُّمْحِ، ذَكَرَهُ ابْنُ الْمُبَارَكِ فِي رَقَائِقِهِ. وَكَذَا قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ، ذَكَرَهُ الثَّعْلَبِيُّ وَالْقُشَيْرِيُّ عَنْهُ، وَحَكَاهُ الْمَاوَرْدِيُّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو. وَمَعْنَى" مُقَرَّنِينَ" مُكَتَّفِينَ، قَالَهُ أَبُو صَالِحٍ. وَقِيلَ: مُصَفَّدِينَ قَدْ قُرِنَتْ أَيْدِيهِمْ إِلَى أَعْنَاقِهِمْ فِي الْأَغْلَالِ. وَقِيلَ: قُرِنُوا مَعَ الشَّيَاطِينِ، أَيْ قُرِنَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ إِلَى شَيْطَانِهِ، قَالَهُ يَحْيَى بْنُ سَلَّامٍ. وَقَدْ مَضَى هَذَا فِي" إِبْرَاهِيمَ" «4» وَقَالَ عَمْرُو بْنُ كُلْثُومٍ:
فَآبُوا بِالنِّهَابِ وَبِالسَّبَايَا ... وَأُبْنَا بِالْمُلُوكِ مُقَرَّنِينَا «5»
(دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُورًا) أَيْ هَلَاكًا، قَالَهُ الضَّحَّاكُ. ابْنُ عَبَّاسٍ: وَيْلًا. وَرُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ:" أَوَّلُ مَنْ يَقُولُهُ إِبْلِيسُ وَذَلِكَ أَنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُكْسَى حُلَّةً من النار
__________
(1). كذا الأصول وهو الصواب. وفي المطبوع: الورى
(2). راجع ج 9 ص 90 طبعه أولى أو ثانية.
(3). الزج (بالضم): الحديدة التي في أسفل الرمح.
(4). راجع ج 9 384 طبعه أولى أو ثانية.
(5). الرواية في البيت:" مصفدينا".
الصفحة 8